سلايداتمقالات

فوضى سياسية عارمة ولا بوادر حلول في الأفق

تتفاقم الأحداث في لبنان وتتشعّب ولم يسبق أنْ إحتّلَ الوضع السياسي حالةً من الإنهيار كالتي نشهدها وقد بلغت ذروتها في تعطيل الإستحقاق الرئاسي بالرغم من كل الجهود المحلية على مستوى بعض القيادات الروحية أو السياسية أو على المستوى الإقليمي والدولي لإيجاد مخرج لتلك الأزمة الدستورية المستفحلة ولكن عبثاً لأنّ الذي يُمسِك بالساحة اللبنانية أحكم بالفعل سيطرته على كل مقدرات البلاد سواء أكانت سياسية أو إجتماعية – إنمائية – مالية أو عسكرية وبات في هذه المرحلة الحاضرة اللاعب الأكبر على الساحة المحلية فيما خص الإستحقاق الرئاسي. وها هــو يُرسل الرسائل وفي كل الإتجاهات واضعاً فيها شروطه التي على ما يبدو لا تنسجم مع تطلعات كل من بكركي وبعض المعارضة.

على ما يبدو التوصيف الصادق للواقع اللبناني ينطبق عليه «مصادرة القرار اللبناني بالكامل وبالموقع المتفوِّق لمرجعية سياسية ميليشياوية والذي يجعلها عنصراً لا يمكن الإستغناء عنه في تحقيق الإستقرار اللبناني والإقليمي والدولي». عملياً لقد أصبحت هذه الجهة القوة الوحيدة القادرة على المسرح السياسي اللبناني وعلى إتخاذ القرارات المصيرية وعلى لعب دور الوسيط في عملية الإستحقاق الرئاسي حتى ولو لم يُحاورها أحداً من قبل أصحاب المبادرات الرئاسية سواء أكانت بكركي بموفدها وجولاته المكّوكية أو على مستوى الدول المعنية بالأزمة اللبنانية. هذه الجهة على ما يبدو هي القادرة على أن تختط لنفسها دوراً رئيسياً في الإستحقاق حتى ولو لم يستشيرها أحداً.

من بلاد الإغتراب ومعي العديد من المقيمين في الإتحاد الأوروبي والمقيمين في الولايات المتحدة وسائر دول العالم نقف حائرين مستغربين من حالة الفوضى السياسية هذه التي تجتاح وطننا منذ ما يُقارب سنوات طِوال ونتفاجأ عندما نسمع أنّ هناك إستحالة لإنتخاب رئيس جديد في ظل المعطيات الحالية القائمة فيما تتهيأ الأوضاع العامة في بلدنا الحبيب للدخول في حالة فوضى عارمة نتيجة للفراغ الرئاسي ولعجز المسؤولين اللبنانيين التحرُّر من قبضة خاطفي الوطن لأنّ أغلبية المسؤولين ويا للأسف مرتهنين لهذه القوة ومن الصعب التحاور معها لأنها على ما يبدو ترفض لغة الحوار وهي في نفس الوقت تتقِّن لغة الدمار والتهديد والوعيد وما في اليد حيلة.

إنّ مشهد الفوضى في لبنانا الحبيب يتمظهر في ثلاث فئات يمكن التمييز بينها وفق مواصفات أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: أولاً – الإنفجار الشعبي من مجرد مناشدات مطلبية إلى إحتجاجات سياسية تطورت في مرحلة لاحقة بالمطالبة برحيل السلطة القائمة ولكن سرعان ما أجْهِضَتْ هذه المطالبات لا بل إغتُصِبَتْ من قبل أنصار السلطة القائمة حالياً وهذا يعني عملياً إجهاض الثورة أو ما عُرَفَ بـ«ثورة 17 تشرين»، وفشلت بتثبيت أقدامها ولم تستطع أن تلتزم بتنفيذ الوعود التي أطلقتها للرأي العام الذي أُدْخِــلَ في فوضى سياسية عارمة. ثانياً – معارضة مرحلياً تنضوي تحت قوائم فئة سيادية تلك التي ما تزال في مرحلة رمادية حيث لن يكون بإستطاعتها حسم الأمــور بشكل قاطع لصالح نجاح عملية الإستحقاق الرئاسي. الثالثة – هي الحالة التي يقودها سيادة المطران أنطوان بو نجم والذي يُقال أنه مُكلّف إمّا من البطريرك الراعي أو من الفاتيكان حيث ما تزال الأمور في هذه المرحلة غامضة بالنسبة للمساعي التي يقودها ومن ثمّ فهناك صعوبة في تحديد معالم هذه المبادرة، وبطريركية غير قادرة على حسم الأمور لصالحها، ونتيجة ذلك فوضى مسيحية – مسيحية عارمة على ما يبدو هناك إستحالة لجمع هؤلاء بسبب تحالفاتهم التي مُرِرَت على حساب الوطن.

إنّ ما يدعوني إلى التشاؤم بالنسبة للوضع العام هناك خلل يحكم معادلة توازن القوى بين تلك التي ما تزال تحاول الإمساك بزمام الأمور بعد إحكام قبضتها على كل مفاصل البلاد وتلك التي ترفض القبول بمن وصلوا إلى السلطة من خلال إنتخابات مزيّفة. الوضع يشي بفوضى عارمة ولا بوادر حلول في الأفق. إنّ المطلوب من بكركي والمطران الوسيط معالجة تكلُس الوضع المسيحي – المسيحي وتصحيح الإنحراف الحاصل في الرؤية العامة بما يتوافق مع التغيير المنشود وإلّا الفوضى ستستشري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى