كتب القاضي الدكتور حاتم ماضي
جاء في كتب الأقدمين ان المجتمع السياسي القائم على الديمقراطية هو من افضل المجتمعات.لأن الديمقراطية هي حكم الشعب وبواسطة الشعب عبر عملية انتخابية ينتج عنها اكثرية تحكم واقلية تعارض.
لكن «العبقرية» اللبنانية ابتدعت مفاهيم سياسية خاصة مثل الديمقراطية العددية، الحاكم التوافقي والحكومات الإئتلافية الخ…
لقد ارتضى لبنان نظاما سياسيا هو النظام البرلماني بحيث يتم انتخاب رئيس الجمهورية على درجتين: النواب اولا ثم رئيس الجمهورية. ومثل هذا النظام موجود في معظم دول العالم ومقبول من شعوب هذه الدول.
لكن ما ليس مفهوما كيف ان العبقرية السياسية اللبنانية اضافت الى النظام السياسي البرلماني هو نظام تسمية رئيس الحكومة من قبل النواب ويكون رئيس الجمهورية ملزما بتسميته. بحيث بات واضحا ان مجلس النواب اللبناني يختار السلطة الإجرائية بما في ذلك وزراء الصف الأول الذين تسميهم كتلهم النيابية الوازنة.
هذا الأسلوب منافٍ للديمقراطية وللنظام البرلماني لأن وظيفة البرلمان هي مراقبة عمل الحكومة ومناقشتها وحجب الثقة عنها. وهكذا يصبح من الصعب عمليا ان يقوم مجلس النواب بواجبه تجاه حكومة هو من اختارها عبر آلية ظاهرها ديمقراطي لأن الحكومة تصبح صورة مصغرة عن مجلس النواب.
وطالما نحن في مناسبة انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومن ثم تسمية رئيس للحكومة وعدد من الوزراء، فإن طموح اللبنانيين يجب ان يكون منصبا على برنامج السلطة الإجرائية الإصلاحي وعلى طريقة تنفيذه بهدف انقاذ البلاد مما هي فيه. مع التذكير دائما ان عملية الحكم في لبنان صارت بعد الطائف عملية مشاركة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
ان اول خطوة اصلاحية في برنامج السلطة الإجرائية العتيدة ينبغي ان تكون الطلب من مجلس النواب الموافقة على السماح لها بالتشريع من خلال المراسيم الإشتراعية في مختلف الميادين من دستورية وقانونية ولمدة محددة.
ان اهم بند يجب الإلحاح عليه هو البند المتعلق بإنشاء مجلس الشيوخ الذي قرره اتفاق الطائف والذي يكون المخرج القانوني للإنتقال من الطائفية السياسية الى ادارة الدولة بعيدا عن الطائفية. ويتزامن مع هذا الإقتراح ويواكبه الغاء قانون الإنتخاب الحالي لعدم استجابته للحلول السياسية البعيدة عن الطائفية واستبداله بقانون انتخابات جديد يراعي حسن التمثيل المناطقي ويكون بعيدا عن التجمعات ذات الطابع الطائفي.
كذلك ينبغي استصدار قانون يمنع الجمع بين النيابة والمنصب الوزاري. ومن المهم ايضا الغاء البند المتعلق بالثلث المعطل للحكومة الذي وضع في الأساس لإرضاء رئيس الجمهورية لخلق نوع من التوازن الطائفي بينه وبين رئيس الحكومة لأن مثل هذا التوازن لا يعود مطلوبا في نظام سياسي غير طائفي.
ان طموح اللبنانيين هو الوصول الى بناء دولة القانون بحيث يخضع الجميع لسيادة القانون بعيدا عن الإرتباطات الطائفية او الحزبية وبحيث يقوم الناس بالإستناد الى ادائهم وليس على انتمائهم. ويأمل اللبنانيون ان تكون الفرصة الحاضرة وهي فرصة انتخاب رئيس جديد للجمهورية مناسبة لتحقيق ما يرغبون به.