كتبت إيفا أبي حيدر في الجمهورية:
قد يكون لبنان في المرحلة المقبلة على موعد مع شغور اضافي في احد المراكز الأولى في الدولة، لأنّ مركز الحاكمية يصبح شاغراً اعتباراً من الاول من آب، في حال استمرت المراوحة السياسية في البلاد على حالها.
وبعدما تأكّد تعذّر التمديد لسلامة الذي يشغل منصبه منذ العام 1993، ما هي السيناريوهات المطروحة لمرحلة ما بعد حقبة سلامة؟ من هم المرشحون لتولّي المنصب؟ ماذا لو رفض النائب الاول تولّي المنصب كما يروّج البعض؟ وما هي المواصفات المطلوبة في الحاكم الجديد؟
في السياق، يؤكّد نائب حاكم مصرف لبنان السابق غسان العيّاش، أنّه عند انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان في اليوم الأخير من شهر تمّوز المقبل، لن تقع مبدئياً أي مشكلة قانونية، ما لم يكن هناك من يخطّط لدفع البلاد دفعاً إلى مأزق خطير.
وأوضح في حديث لـ «الجمهورية»، أنّ قانون النقد والتسليف يحدّد عدّة طرق لحلول حاكم جديد مكان الحاكم الذي تنتهي ولايته. الطريقة الأسهل والأقصر والأفضل هي اجتماع مجلس الوزراء حتى في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، لتعيين حاكم جديد مكان الحاكم الذي انتهت ولايته. وهذا التعيين ممكن في أي وقت من الآن وحتى نهاية شهر تمّوز، على أن ينصّ قرار التعيين، على أنّ ولاية الحاكم الجديد تبدأ في بداية شهر آب 2023 منعاً لأي فراغ وتلافياً أيضاً لتعيين حاكم جديد قبل نهاية ولاية الحاكم الحالي، مّما يعني إقالة الحاكم. لأنّ ذلك يتطلب إجراءات وشروطاً نصّت عليها المادّة 19 من القانون المذكور التي ورد فيها: «لا يمكن إقالة الحاكم من وظيفته الّا لعجز صحي مثبت بحسب الاصول، او لإخلال بواجبات وظيفته، في ما عناه الفصل الاول من الباب الثالث من قانون العقوبات، او لمخالفة احكام الباب 20، او لخطأ فادح في تسيير الاعمال».
إذاً، يفترض أن يجتمع مجلس الوزراء لتعيين حاكم جديد قبل نهاية تمّوز المقبل، فإذا لم يحصل ذلك يحلّ النائب الأوّل للحاكم تلقائياً محلّ الحاكم دون حاجة لأي إجراء إذ نصّت المادّة 25 على أنّه «بحال شغور منصب الحاكم، يتولّى نائب الحاكم الاول مهام الحاكم ريثما يُعيّن حاكم جديد». فإذا استقال نائب الحاكم الأوّل حتى لا يتولّى هذه المسؤولية بناءً لعدم رغبة الثنائي الشيعي بتولّي مسؤولية إدارة النقد في هذه الظروف المتفجّرة، يمكن أن يتولّى المسؤولية نائب الحاكم الثاني استناداً إلى المادّة 27 التي جاء فيها «بحال غياب الحاكم او تعذّر وجوده يحلّ محله نائب الحاكم الاول، وبحال التعذر على الاول فنائب الحاكم الثاني، وذلك وفقاً للشروط التي يحدّدها الحاكم»، مع العلم أنّ هذه المادّة تتعلق بغياب الحاكم أو نائبه الأول، ولا تتعلق بشغور الموقع.
وتابع العياش: «إذا سُدّت كل هذه الأبواب في نفس الوقت، ولم يُعيّن حاكم جديد وتعذّر تسليم الحاكمية لأحد نائبيه، وكما أشرنا، يكون ذلك وليد رغبة في مكان ما لتعطيل مصرف لبنان أسوة بتعطيل رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب. وفي هذه الحالة ستسود فوضى كبيرة في سوق النقد وفي المجال المصرفي، لأنّ لا أحد يستطيع الحلول محلّ مصرف لبنان في الوظائف التي أناطها به قانون لنقد والتسليف. هذا الاحتمال يشبه «نهاية العالم»، ويكشف نيّة شيطانية لتصفية الجمهورية اللبنانية».
ورداً على سؤال، أكّد العياش أنّه من الناحية القانونية الصرف لا فرق بين تعيين حاكم لمصرف لبنان بوجود رئيس الجمهورية وبين تعيين الحاكم من قِبل حكومة تتولّى صلاحيات الرئيس بسبب شغور الرئاسة. لكن من ناحية جوهرية، هناك فرق كبير، فمن الأفضل أن يأتي تعيين الحاكم كخطوة أولى في عهد جديد، وضمن خطّة أو تصوّر شامل للعهد لطريقة إنقاذ لبنان من مشاكله النقدية والمصرفية وإعادة بناء الاقتصاد وتوليد النموّ وإحياء القطاعات الاقتصادية المنهارة.
ورأى العياش، أنّ تعيين الحاكم الجديد قبل انتخاب الرئيس هو خطوة قانونية محمودة ومطلوبة، أما تعيين الحاكم في ظلّ رئيس فعلي لرئاسة الجمهورية فهو بداية خطة وطنية شاملة للإنقاذ. وبما أنّ حديث المواصفات يغلب على حديث انتخاب رئيس للجمهورية، فعلينا أن نهتم أيضاً بمواصفات الحاكم الجديد لمصرف لبنان.
وشدّد العياش على انّ الثقة بالبلد، أي بلد، ومستقبله واقتصاده من قِبل السلطات المالية الدولية والأسواق المحلية والخارجية، مرهونة إلى حدّ بعيد بالثقة بمصرفه المركزي وبحاكمه. المعارك الأخيرة حول مصرف لبنان، على تنوّعها، هشّمت الثقة بالمصرف، وبات ملحّاً اختيار حاكم يتمتّع بالثقة الداخلية والخارجية، ويتميّز بالأخلاق والشفافية والعلم وقوّة الشخصية والقدرة على مواجهة السلطة السياسية عندما تملي على المصرف المركزي تعليمات مناقضة لمصلحة البلد.