كتب ألان سركيس في نداء الوطن:
عاد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط من باريس مُدركاً أنّ ساعة الحسم لم تحن بعد، فالتعقيدات الإقليمية على رغم إبرام التفاهم السعودي- الإيراني لا تزال كثيرة، يُضاف إليها إنقطاع الحوار الداخلي والإصطفاف العمودي الحاد بين القوى المنافسة. يقرأ جنبلاط بإيجابية مسار الإتفاق الكبير الذي حصل في المنطقة، لكنه في الوقت نفسه يتريث في إطلاق الأحكام، فالرجل المُطّلع على السياسة الإقليمية والدولية والقارئ الماهر للتحولات الكبرى، ينتظر كيف سيكون رد فعل واشنطن على مثل هكذا اتفاق حصل برعاية غريمتها بكين.
لا يُفرط جنبلاط في التوقعات الإيجابية، وهو الآن في موقع المراقب الحذر، خصوصاً أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ومنذ انتخابه، تنصرف إلى مقارعة النمو السياسي والإقتصادي للدور الصيني، وتغض النظر بعض الشيء عن تصرفات طهران أو دول كان يصنّفها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في دائرة العدو.
ويعلم جنبلاط جيداً وقوع لبنان تحت دائرة النفوذ الأميركي وليس الصيني أو الروسي، فعلاقته مع موسكو تأتي في إطار شبك أكبر قدر من العلاقات الدولية ومتابعة لمسار العلاقة التي كانت بين الحزب «الإشتراكي» والإتحاد السوفياتي سابقاً، أما الإنتماء إلى الإشتراكية العالمية فهو المربع الوحيد الذي يجمعه مع الصين، ويدرك استحالة اصطفاف لبنان مع المحور الشرقي الصيني- الروسي وذلك لأسباب تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية.
مثلما فعلت السفيرة الأميركية دورثي شيا خلال اللقاءات الأخيرة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي وتأكيدها عدم وضع «فيتو» على أي مرشح رئاسي شرط قبول المملكة العربية السعودية بهذا المرشّح، يفعل رئيس الحزب «الإشتراكي»، فجنبلاط أبلغ باريس خلال زيارته الأخيرة ومن يعنيهم الأمر بعدم انتخابه أي مرشّح لا ترضى عنه الرياض أو المحور العربي. كانت وجهة نظر جنبلاط واضحة في الإليزيه ويُكررها في بيروت، ومفادها أنّ طريق خلاص لبنان تبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وسطي وإنقاذي، داعياً باريس إلى الخروج من دوامة دعم رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية لأنه لن يصل.
وناقش جنبلاط سلّة من الأسماء الوسطية التي ترضي الجميع ولا تنتمي إلى محور 8 آذار، أمثال قائد الجيش العماد جوزف عون ووزير المال السابق جهاد أزعور والذي يبدو جنبلاط من أشدّ المتحمسين لانتخابه، إضافة إلى المرشح الذي قد تتفق المعارضة على دعمه وهو النائب السابق صلاح حنين. في المقابل، تلقّى الجناح الفرنسي الداعم لترشيح فرنجية ضربة قوية مع رفض المكوّن المسيحي لإنتخابه ورفض الرياض لهذا الأمر، فعاد الحديث في الأروقة الباريسية عن مرشحين «تكنوقراط» أمثال الوزراء السابقين زياد بارود ومروان شربل وروجيه ديب، وشخصيات إقتصادية مثل رجل الأعمال سمير عساف والرئيس الفخري لرابطة خريجي جامعة هارفرد في لبنان الدكتور حبيب الزغبي إضافةً إلى أسماء مرشحة أخرى مثل مي الريحاني والسفيرة السابقة تريسي شمعون.
يتلاقى جنبلاط في طرحه رئيساً وسطياً مع الجناح الفرنسي في الإليزيه الذي يؤيد وصول رئيس أكاديمي وذي خبرة إقتصادية وغير غارق في الفساد، لكن جنبلاط يؤكّد ضرورة تمتّع أي رئيس بنكهة سياسية ويكون ملمّاً بتفاصيل الأزمة اللبنانية سواء السياسية أو الإقتصادية أو الأمنية، لذلك يحتاج أي مرشح ليُنتخب إلى موافقة محلية وعربية ودولية.
لن يسير جنبلاط عكس المركب العربي والسعودي تحديداً، فمن كان ينتقد جرّ لبنان إلى محور «الممانعة» وقطع علاقاته مع الدول العربية لن ينتخب رئيساً من صفوف 8 آذار حتى لو طلب رئيس مجلس النواب نبيه برّي منه هذا الأمر. وبانتظار اتضاح الصورة الإقليمية والدولية، سيُركّز «اللقاء الديموقراطي» على توحيد المعارضة أولاً خلف مرشح وسطي على رغم استمرار التأييد لرئيس حركة «الإستقلال» النائب ميشال معوض، من ثمّ الإنتقال إلى الحوار مع الفريق الآخر وهذه المهمة سيتكفل بها جنبلاط عبر صديقه رئيس مجلس النواب نبيه برّي.