كتبت: كفا عبد الصمد
تشكل المائدة الرمضانية كل عام مادة دسمة وشهية، تسيل لعاب المشاهد العربي الذي ينتظر الأعمال التلفزيونية والمسلسلات الخاصة بهذا الشهر بلهفة كبيرة، الى درجة ان اي عمل خارج اطار رمضان قد لا ياخذ حقه من المتابعة والنجاح مهما كان عظيما..
وهذا العام هناك تنافس مخيف وعودة قوية للمسلسلات الرمضانية بعد انقطاع قسري فرضته جائحة كورونا.. تتابع الدعايات الترويجية وتجد صعوبة في اختيار الاعمال التي تنوي اختيارها، لتؤنس بها سهراتك الطويلة، مع استحالة متابعة جميع ما يقدم. هنا يأتي دور الترويج وشراء وقت المشاهد الذي تسعى اليه شركات الانتاج في استقطاب الفئة الاكبر من المشاهدين وكسر حدود الريتنغ المطلوب، من خلال اسماء فنية بارزة نجحت في مواسم سابقة وشكلت ثنائيات احبها الجمهور.
وهذا التكتيك تعتمده شركة الصباح للانتاج الفني منذ عقود، تخلق ثنائيا ناجحا وتحاول الحصول على اكبر نسبة متابعة لهذا الثنائي في اكبر عدد ممكن من مواسم رمضان، لتحقق الربح المطلوب، ولو جاء هذا الامر احيانا على حساب القصة والإخراج والصورة المتكاملة. هذا ما حصل تماما مع مسلسل واخيرا للثنائي قصي الخولي وندين نسيب نجيم. يفقتد المسلسل لجميع مقومات النجاح دون استثناء. رتابة وملل وصورة مكررة وشخصيات ضعيفة وقصة اقل ما يقال عنها مدمرة… شخصية ياقوت في المسلسل تشبه شخصية صافي في 2020، من حيث الشكل والى حد كبير المضمون، حتى الملابس والاكسسوار وارتجال ردات الفعل العشوائية، كلها صفات واحدة لشخصيتين مختلفتين في عملين الاول واقعي والثاني غير مقبول.. اما شخصية خيال حتى الآن لا ترق الى المستوى المطلوب او اقلها المتوقع من نجيم.. المبالغة بالشكل لتبدو انها ابنة شارع، خلق حاجزا بينها وبين المشاهد وكانها لم تقنعه بدورها لا من حيث الشكل ولا حتى الcaractere. ناهيك عن هذا التكرار في الشخصيات نأتي الى القصة، لنسأل هل يعقل انه لم يعد هناك اقلام عربية تكتب قصصا تشبه الشارع الحقيقي والبسيط والذي يشبهنا. اخيرا وللموت وغيرها من الاعمال، لا ندع المثالية وننكر وجود مخدرات وفساد وسرقات في مجتمعنا كما في كل المجتمعات، لكن هذا لا يعني ان هذه الحقيقة الوحيدة في عالمنا وجميعنا ندور في فلك الدعارة والمخدرات والتجارة بالنساء وبيع الاعضاء.. يوجد لدينا الكثير من القصص الاجتماعية التي يمكن التصويب عليها من دون ارهاق المشاهد نفسيا. واخيرا آخر ما يحتاج الى متابعته المشاهد العريي عامة واللبناني خصوصا في مثل هذه الظروف.. عمل يزرع الخوف في داخلك ويتركك بحالة من القرف لبشاعة المشاهد وضعف الاخراج، فضلا عن دخولك في دوامة من الاسئلة لاحداث لا تجد مبررا لحدوثها..
واخيرا زلة قدم قاتلة لقصي وندين وقراءة غير موفقة لتواجد كان من الممكن ان يكون اقوى لو ترافق مع قصة اجمل واكثر واقعية..
لم نعد قادرين على هذا الكم من الحزن والتوتر، نحتاج الى متابعة اعمال تفرح خاطرنا المكسور وتزرع بذور الامل في اعماقنا المحطمة، لا نحتاج الى من يخبرنا عن فظاعة ما يحدث في الازقة المتهالكة وخلف الستار ، هو حقيقي لكنه كان ولا زال وسيبقى، وهذا امر طبيعي، لان الاحياء الفقيرة موطن الاتجار والدعارة والزعرانات في كل زمان واوان..
يفتقد صناع الدراما اليوم الى كتاب ومخرجين قادرين على كتابة قصة فيها بناء درامي للشخصية، حتى مصر قبلة المسلسلات الرمضانية، فقدت فيها مهارة الكتابة التلفزيونية، لهذا لم نعد نتابع اعمالا كعائلة الحاج متولي او الليل وآخرو او يوميات ونيس.. فقدت المسلسلا التلفزيونية بريقها عندما تحولت الى تجارة هدفها الربح والربح السريع..
استنفذوا طاقتنا اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا ولم نعد نملك ترف الوقت لنلملم ما تبقى من صورة المواطن في اعماقنا، لتأتي مثل هذه الاعمال تعري الصورة امامنا، وتحملنا اعباء اضافية وتشعر انك مجبر على متابعة المسلسل كنوع من القصاص وتعذيب النفس لانك لا تملك الخيار.. افقدونا متعة مشاهدة المسلسلات الرمضانية ومن يدري هل هي صدفة ام ساسية مرسومة لاهداف مبطنة؟!..