
كتبت: كفا عبد الصمد
لا يختلف إثنان على أن مسلسل “النار بالنار” يحصد المرتبة الأولى في السباق الرمضاني منذ حلقاته الأولى، وذلك لأسباب كثيرة بدء من القصة وصولا إلى الإخراج والتمثيل وغيرها من العناصر، التي إجتمعت في قالب إجتماعي حقيقي، ينطق بلسان المشاهد ويتلو عباراة نرددها في يومياتنا، ويطرح قضية موجودة ولا أحد يريد التنبه لها.. لست بصدد التحدث عن العمل لأنه يستحق أن نفرد له صفحات وصفحات حتى نعطيه شيئا من حقه، لكن الملفت في هذا المسلسل كانت مشاركة الممثل طارق تميم بدور جميل.. الشيوعي القديم إذا صح التعبير الذي يقتات على أفكار لم تعد تتسع لها هشاشة مجتمعنا القاتلة، ويعيش على أفكار أصبحت طي النسيان..
من يعرف طارق تميم عن قرب، أو صادف أن رآه يوما وتحدث إليه، يعرف تماما أن هذا الفنان لا يمثل في دور “جميل”، مشيته، لكنته، حركة يديه، نظرة عينيه، ضحكته الساخرة، هي حقائق وتفاصيل لم يدعيها، كما يفعل كثيرون في تقمص شخصيات معينة، بل ولدت معه بالفطرة، هو جميل وأبدع لأنه كان في قمة الجمال حين قدم هذه الشخصية. هنا تظهر العظمة في كيفية إدارة القصة بطريقة سلسلة وموضوعية من خلال انتقاء شخصيات لا تكلف في تمثيلها ولا تصنع في نقل الأحداث وتصوير الصورة المطلوبة. وإذا كان المؤلف رامي كوسا أبدع في كتابة شخصية “جميل” بهذه الحرفية والتقانة، فقد تفوق المخرج أحمد عبد العزيز على ذاته في تصوير هذه الشخصية بطريقة إحترافية تجذب المشاهد وتحاكي شيئا من الماضي في داخله، وتجعله يحب “جميل” ويتعاطف معه، رغم أنه شخصية كسولة و”قمرجية” وتعيش على هامش الحياة، تكفيها بضع ليرات تسكت صوت المقامرة في داخلها، هو المتفائل رغم السوداوية ونراه لا ييأس من تجربة حظه رغم أنه يعلم جيدا أن “حظو عاطل”، لكنه يحاول دائما علها تفتح يوما ما في وجهه وتدور بوصلة الربح بإتجاهه.
طارق تميم.. يصح أن يقال إحذروا هذا الممثل، طاقة فنية كبيرة، قد تكون تأخرت براعمها لتتفتح عربيا، رغم أن باعه في التمثيل وخاصة المسرحي طويل جدا، لكنه لم يأخذ حقه من الشهرة والنجاح، هو إبن مسرح زياد الرحباني وصديق دربه وسهراته الطويلة، هو إبن البيئة المتحررة المؤمنة بالإنسان كإنسان مجردا من ميوله ودينه وجنسيته، هو الذي يحب إلى أقصى الحدود لكنه لا يعرف كيف يظهر هذا الحب، هو الذي يجد الحياة في برمة دولاب أو فتة ورق أو لعبة حظ، هو الشخص المحبوب والقريب من جميع من حوله، هو عطر يفوح من زمن كان فيه للجمال معاني مختلفة وأشكالا متنوعة.
مشاركة تميم في هذا العمل يجعلنا نطرح السؤال على شركات الإنتاج والمخرجين، لماذا تلجؤون إلى أنصاف فنانيين إذا كان بإمكانكم الإستفادة من طاقة فنية حقيقية، تساهم في نجاح العمل الذين تسعون إليه وتحقق الريتنغ المطلوب.. مع أن طارق تميم “شاب حلو أشقر وعيونو ملونة”، لكن قد يعتبر من يرى في الدراما مصدر ربح لا أكثر، أنه وجه لا يحقق الأرباح المرجوة.. “جميل” في الموسم الرمضاني الحالي كسر هذه القاعدة، ليعود بنا إلى الزمن الجميل، حيث كانت واقعية القصة وعظمة الأداء وقوة الإخراج عناصر تجتمع لتحقق النجاح، حتى لو صور في بيئة شعبية أو شارع بسيط، وبملابس ليست فاخرة تشبه ملابسنا، وكلام ننطق به بعفوية دون أي تصنع، متعمدة على إكسسوار الحقيقة وما تنطق به الألسن لا على الفخفخة والعصابات وترف في غير موقعه لجهة الإنتاج.
أبدعت يا طارق في دور جميل فلا تبخل علينا بحضورك في كل المواسم لأنك إضافة حقيقية لأي عمل تشارك فيه، أغدق علينا بعطاءاتك الفنية فعشطنا لهذه الشخصيات الحقيقة والبساطة والرقي في الأداء لا ترويه إلا طاقات فنية تشبه طاقة المبدع طارق تميم..