كتب صلاح سلام في إفتتاحية اللواء:
بغض النظر عن الخلافات التي عصفت باللقاء الخماسي في باريس، والتباين الذي هيمن على لقاء الثنائي، الفرنسي والسعودي في العاصمة الفرنسية، وما تبعه من إتصال هاتفي بين الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورغم التكهنات المتنافرة حول هدف دعوة سليمان فرنجية إلى الأليزيه، ثمة خيط أبيض يربط بين كل تلـك النشاطات، يُؤكد أن الإنتخابات الرئاسية وضعت على نار الإتفاق السعودي ــ الإيراني، مثل غيرها من ملفات النزاع في المنطقة.
هذه المؤشرات تعني، وبشكل واضح، أن الأطراف السياسية اللبنانية لم تعد تملك ترف تضييع المزيد من الوقت، والإستمرار في لعبة المناكفات والمناورات والمزايدات التي عطّلت الإستحقاق الرئاسي خمسة أشهر ونيّف، رغم تراكم الأزمات التي تحاصر الوضع اللبناني، وتُطيح بما تبقى من صمود اللبنانيين بمواجهة أشد محنة إقتصادية وإجتماعية في التاريخ الإستقلالي.
وإزاء الفشل السياسي الداخلي في إنهاء الشغور الرئاسي، والعجز الرسمي عن وضع البلد على سكة الإصلاح والإنقاذ، كان لا بد من نقل الملف اللبناني برمته، وبشقّيه الرئاسي والإقتصادي، إلى عواصم القرار المهتمة بالوضع اللبناني المنهار والمعقّد، والعمل على فكفكة عقده الواحدة تلو الأخرى، بدءاً من حسم الإستحقاق الرئاسي.
أدرك الأشقاء العرب، وخاصة السعوديين، والأصدقاء الغربيين، لا سيما الفرنسيين، باكراً وقبل إنتهاء ولاية العماد ميشال عون، أن الإنتخابات الرئاسية هي الخطوة الأساس في مسار معالجة الأزمات في لبنان، والحد من الإنهيارات المتوالية، والعمل على تشكيل حكومة تحظى بالثقة الخارجية، وتكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية، لسلوك طريق الإنقاذ الفعلي، وترميم العلاقات الأخوية مع الدول العربية.
من بيان القمة الخليجية، إلى المبادرة الكويتية والتي تحولت إلى مذكرة خليجية لاحقاً، إلى البيان الثلاثي الأميركي ــ السعودي ــ الفرنسي الصادر في نيويورك على هامش إجتماعات الأمم المتحدة، ثم اللقاء الخماسي في باريس، واللقاء الثنائي الأخير.
فضلاً عن معظم البيانات العربية الثنائية أو الجماعية المشتركة، كلها كانت تُركز على. ضرورة إجراء الإستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري قبل ٣١ تشرين الأول، وإعطائه أولوية مطلقة على تشكيل الحكومة التي كُلِّف الرئيس ميقاتي بتأليفها، وحالت الخلافات مع التيار العوني ورئيسه دون أن تُبصر النور، والبقاء في دوامة حكومة تصريف الأعمال.
توقف مهزلة الجلسات الإنتخابية المتتالية في مجلس النواب، وتكثيف المشاورات الخارجية حول الوضع اللبناني، والحركة الدبلوماسية الناشطة بين باريس والعواصم المعنية في المنطقة، من عرب وعجم، إلى جولات السفراء على القيادات السياسية والرسمية، إلى زيارات كبار الموفدين من الخارج، بالأمس مساعدة وزير الخارجية الأميركية بربارة ليف، وغداً وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي، كلها إشارات على إنتقال الملف الرئاسي إلى الخارج، وأن الأطراف المحلية باتت بإنتظار كلمة «الروح القدس» من الخارج، على حد التعبير الشهير للرئيس الراحل إلياس الهراوي.
ويبدو أن الأطراف الخارجية أنهت مبدئياً مرحلة التوافق على المواصفات المطلوبة في الرئيس العتيد، وفي مقدمتها أن لا يكون رئيساً مرشحاً من طرف سياسي معين، سواء الفريق السيادي أو محور الممانعة، ويشكل تحدياً للأطراف الأخرى، وهو الحال الذي ينطبق على النائب ميشال معوض والزعيم الزغرتاوي سليمان فرنجية. كما ويجب أن لا يكون من منظومة الفساد التي أسقطت البلد في مهاوي الإفلاس، ولا تدور حوله أية شبهة فساد. وثمة من يُعطي الخبرة المالية والرؤية الإقتصادية أهمية إضافية في معرض الحديث عن مواصفات الرئيس المقبل.
وإعتماد مثل هذه المواصفات يعني أن طريق رئيس تيار المردة إلى بعبدا دونه صعوبات، تبدأ بتبني ترشيحه من الثنائي الشيعي، ولا تنتهي عند المعارضة المسيحية، والتي تجمع أكبر حزبين مسيحيين: القوات اللبنانية والتيار العوني، اللذين وضعا فيتو كبير على اسم فرنجية. ولكن السؤال الذي يراهن على جوابه المؤيدون للأخير: هل تستطيع باريس أن تغيّر الموقف السعودي، وإلى أي حد تؤيد طهران مثل هذا الخيار، في ظل المعارضة السعودية المعلنة لإنتخاب حليف حزب الله؟
وإذا سلّمنا جدلاً بأن إتفاق بكين بين الرياض وطهران أقوى من أن تهزه الإنتخابات الرئاسية في لبنان، يمكن القول عندها أن الحديث عن نتائج زيارة فرنجية للأليزيه يبقى مجرد ثرثرة وتكهنات، بإنتظار ظهور المعلومات التي ستحدد مجرى الرياح الرئاسية في الأسابيع القليلة المقبلة.