
كتبت: كفا عبد الصمد
اعتدنا على هذه الجملة وبات تردادها في الثالث عشر من نيسان من كل عام، عادة سيئة نمارسها بالفطرة، من دون ان نسعى قيد انملة الى تفادي هذه الذكرى المشؤومة او السعي للتخلص من نفاياتها..
يكاد يكون لبنان البلد الوحيد على الكرة الارضية الذي يمنح السلطة لمن كان سببا بدماره وقتله وشرذمة ابناءه.. نعم، نحن من منح وسام القيادة لتجار الدم الذين شربوا نخب انتصاراتهم من دماء شهداءنا، وسكروا فوق جثث الابرياء، قسموا وتقاسموا ونهبوا ودمروا، ثم جلسوا على كراسيهم، لبسوا ثوب الشرف والوطنية، وبدؤوا بعزف نغمة واحدة منذ اكثر من اربعة عقود، نوتة موسيقية لا يوجد غيرها في قاموسهم، لا توقظوا فتنة نائمة حتى تبقى 13 نيسان ذكرى تنذكر وما تنعاد…
المشكلة ليست بالتاريخ ولا باشباه الزعماء، تجار الحرب وملوك الفساد، المشكلة فينا، نحن من اضعنا البوصلة يوم سلمنا رقابنا لانصاف الرجال، واعتبرنا ان المساس باسماء سيلعنها التاريخ جريمة كبرى، والعبور فوق مصالح الزعيم خيانة وطنية.. نحن من سجدنا لطغاة واستسلمنا لرغباتهم، فنهبوا ثرواتنا، وقتلوا احلامنا وبفضلهم تحولنا الى جيف متنقلة، نؤجل الحياة الى موسم لاحق وفرصة اخرى كي لا يعاد قصاصنا مرة جديدة بحرب اهلية تنصب زعاماتهم المستبدة اكثر..
تنذكر وما تنعاد اللحظة التي ارتضينا ارتهانكم لارواحنا ومنحناكم عباءات فضفاضة لا تحملها اكتافكم، يوم ادمنتم شحن النفوس واشعال فتيل الحرب، وهددتم بنسف كل شيء يوم تلمستم وعيا حقيقيا، بعد ان خنقنا فسادكم..
تنذكر وما تنعاد المرحلة التي اعتقدنا فيها ان طريق القدس لا يتحرر الا من لبنان، وحلمنا بالصلاة في ارضها المقدسة، ولم نتنبه ان من يحكمنا غاياتهم تبرر وسائلهم ولو كانت على حساب حرية ودماء الشرفاء..
تنذكر وما تنعاد كل لحظة انزلت فيها ورقة تحمل اسماءكم في صناديق الاقتراع، وتنصبكم علينا زعماء بزعامة كاذبة وانتماء هش…
تنذكر وما تنعاد كل صفقة وقعت على حساب هذا الشعب المسلوب والمسروق والمرتهن…
اما 13 نيسان بالنسبة لكم تنذكر وتنعاد لانها تعود عليكم بالخير الوفير وترسخ سياساتكم الفاشلة وفسادكم المستشري.. هي الذكرى الاحب الى قلوبكم، وكم تتمنون لو تعود وتتكرر من جديد، تقفون فوق جثثنا تشعلون سجائركم من نار احلامنا المؤجلة، وتبنون قصوركم فوق انقاظنا.. هو تاريخ يناسبكم وذكرى تموتون شوقا لاستعادتها، انها طوق نجاتكم يوم اهتزت الارض تحت عروشكم، وهي صك اعترافنا بالهزيمة والارتهان لاشخاص ملكوا بلدا وتلاعبوا بمصير شعب غير آبهين بقانون سماوي ولا صحوة ضمير، حولوا لبنان الى طاولة روليت يقامرون على مستقبله ويحافظون على وجوده بالحظ..
لا تستذكروا 13 نيسان، بل اطووا هذه الصفحة، الغوها من قاموسكم، ولا تطلعوا اولادكم عليها، وقولوا لهم ان لبنان خلال هذه المرحلة كان في غيبوبة، لم يستفيق بعد، يحاول استرجاع بينته الحقيقية، و13 نيسان ليست ذكرى الحرب الأهلية، وبوسطة عين الرمانة مظلومة، الذكرى ذكرى وطن كان اخضر بلون زهر اللوز، فاح عبيره ونضجت ثماره، وبدل ان يقطف، دمر، على يد مجموعة من مدمني الفساد والفوضى والكذب. لا نحتاج ان يذكرنا هذا التاريخ بالحرب لانها اصبحت خلفنا، لكننا بحاجة ان يذكرنا بما اقترفناه بحق انفسنا وبحق وطن اسمه لبنان..
حتى لا تنذكر ولا تنعاد، حاسبوا وقاصصوا واقصوا من لا يستحق لان الحياة فرصة لا يستحقها الا الاقوياء…