كتب: باسم م. الحسنية
التاريخ لا يرحم، والذاكرة السياسية مهما حاولوا طمسها تبقى حاضنة للعديد من الأحداث والمحطات التي غيرت مجرى التاريخ وصنعت متغيرات مفصلية لطخت بالدم حينا وبالخيانة أحيانا كثيرة.. وقد شهد لبنان منذ بداية رسالته الكثير من النزاعات على أرضه فضلا عن إغتصاب اسرائيل المتكرر ودخوله بيروت، وفي منتصف العام 1976، دخل الجيش الاسدي البعثي السوري لبنان، واحتل مَواقع إستراتيجية في زحلة، ونشر الحواجز على طريق المصنع، شتوره، ومارس أبشع أشكال الإعتقالات والمجازر والإعدامات والسرقة والنهب، وهناك العديد من الصور الحية عن بربرية الإحتلال وهمجيته.
قتل وسرقات وإعتقالات
لم يكتف الجيش السوري خلال فترة تواجه في لبنان من بسط سيطرته السياسية وحسب بل مارس أبشع أنواع القمع لسياسي بحق نشاط لبنانيين، وعسكريين، ورجال فكر. وتسجل ملفات المستشفيات اللبنانية أعداد الجثث التي وصلت إليها لأشخاص قتلوا بأبشع الطرق والأساليب، وقد تعرضت الكثير منها إلى التعذيب وبتر الأعضاء ويرها من الممارسات التي لا ترقى الى الإنسانية بصلة، لكنهم إعتادوا عليها فنظامهم أشبعهم منها منذ لحظة وجوده.
هذا عن القتل أما عن السرقة فحدث ولا حرج، أستولت القوات السورية على المحاور وبدأت بمداهمة المنازل في مناطق الحدث وعالية وبعبدا ويعن الرملنة وغيرها من المناطق اللبنانية، وما كانت تعجز عن أخذه باليسر تلجأ إلى القوة للحصول عليه، هذا فضلا عن سرقة القوات لسورية ملفات وزراة الدفاع الوطني اللبناني والجيش والقصر الجمهوري ونقلها إلى مراكزهم.
وهذا غيض من فيض، أمام ما قامت به القوات السورية من اختطاف عشرات الجنود اللبنانيين ونقلهم الى مقر قيادةالاستخبارات السورية في عنجر ومنها الى المعتقلاتالسورية.
لم يكن الوجود السوري في لبنان عرضيا او حدث بالصدفة، بل كان ممنهجا ومخطط له، وقد جاء الغزو السوري للبنان بعد محطتين أساسيتين عصفتا بالمرحلة السياسية في لبنان خلال تلك الحقبة، الأولى تمثلت بانتصار “الحركة الوطنية” (التي كان يقودها كمالجنبلاط) في كل القطاعات في لبنان، حتى أوشكت “الجبهةاللبنانية” (اليمين المسيحي اللبناني)، أن تفقد جميعمَواقعها. والثانية كانت مع بداية التقارب بين الرئيس اللبناني الياس سركيس وياسر عرفات، ما أزعج حافظ الأسد وشكل تهديدا مباشرا لسياسته القمعية. في تلك المرحلة بدأت ترتسم ملامح سيطرة النظام السوري على السياسة اللبنانية، وقد ترجم ذلك بإجتياح الجيش السوري لبنان، وكان من المتوقع أن تستسلم العاصمة بيروت خلال أيام، لكن المقاومة الشعبية التي نظمتها قوى الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، أربكت الجيش العربي السوري ومنعته من تحقيق أهدافه، فلجؤوا إلى الجنوب والجبل في محاولة لإضعاف القوى اللبنانية وإخضاعها.
ومن ينسى وقفة كمال جنبلاط مع أهالي بحمدون ودعمهم للوقوف أمام الدبابات السورية، ونجحوا في منع القوات السورية من إختراق المقاومة الشعبية لها، حينها قررت الحكومة السورية عقد إتفاق مع المقاومة، كخطوة أولى في بداية عملية التلاعب السوري بالأطرف اللبنانية والفلسطينية والعمل على خلق الفتن الداخلية والإغتيالات.
وقف كمال جنبلاط و”الحركة الوطنية” سد منيع في وجه الدخول السوري لبنان، وتحدى الأسد، برفضه مشروع الكونفدرالية التي تجمع الأردن وسوريا ولبنان، الذي كان هناك توافق أكثر من طرف دولي على تحقيقه.
وخلال الإجتماع الذي جمع كمال جنبلاط بحافظ الأسد، طرح الأسد على جنبلاط فكرة إنشاء اتحاد كونفدرالي، فأجابه جنبلاط بالرفض. وسأله لماذا؟ فرد جنبلاط: أنت لا حريات لديك، وأنا لا يمكنني أن أعيش في بلد لا تتوفر فيه مناخات الحرية. وقال جملته الشهيرة “لن أدخل قفصك الذهبي الكبير”..
وللتاريخ قد يكون هذا الموقف بمثابة أول مسمار دق في نعش كمال جنبلاط، حيث أتخذ القرار بأغتياله وتم تنفيذ المهمة في 16 آذار 1977 واتهم النظام السوري بإغتياله.
يتبع…