كتب سعيد مالك في الجمهورية:
فرئيس المجلس هو الذي يدعو المجلس إلى الجلسات، ويُحدّد مواعيدها، ويُطبّق جدول الأعمال، ويضبط إدارة الجلسات ويُدير المُناقشات. كما يحفظ النظام داخل المجلس (المادة /46/ من الدستور).
وبالتالي، رئيس المجلس بحُكم الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب المعدّل تاريخ 18/10/1994 مُلزم بدعوة المجلس إلى الإنعقاد. ولا يحّق له تحت أية ذريعة تعطيل عمل المجلس بامتناعه عن دعوته إلى عقد جلسات. إذ لا يجوز لأي رئيس سُلطة دستورية أن يُعطّل أو يشّل عمل السُلطة التي يرأسها. وهذا المبدأ يُعتبر من المُسلّمات الدستورية.
وبالعودة إلى واقعنا الحالي، فلا شك أنّه وبتاريخ 31/10/2022 خَلَتْ سدّة الرئاسة. وأصبح مجلس النواب بمُقتضى الدستور، وعملاً بأحكام المادة /74/ منه، في طور إنعقاد حُكمي، ومؤهّلاً لانتخاب رئيسٍ للجمهورية. وسيبقى في حالة إنعقاد دائم، إلى حين إنتخاب رئيس جديد للبلاد. فهو ليس بحاجة إلى دعوة من رئيس المجلس (بالمعنى الدستوري للكلمة) ليتمكّن من الإنعقاد. علماً، أنّ دور رئيس المجلس في حالة الفراغ يقتصر فقط على تعيين موعد جلسة للإنتخاب، إستنادًا إلى سُلطته الإدارية المُستمّدة من النظام الداخلي لمجلس النواب.
مع الإشارة، إلى أنّ المُشرّع نصّ وفي المادة /74/ من الدستور على وجوب أن يجتمع المجلس فَورًا (immédiatement) بحال الشغور لانتخاب رئيس عتيد للجمهورية. وقد إعتمد المُشرّع هذه الكلمة لِحثّ رئيس المجلس على تعيين موعد جلسة للإنتخاب في أسرع وقت ممكن.
أمّا اليوم، وبانقضاء أكثر من أربعة أشهر على تاريخ آخر جلسة انتخاب دعا إليها الرئيس برّي، لا يزال رئيس المجلس مُتشبّثاً بعدم دعوة المجلس النيابي للإنعقاد لإنتخاب رئيس عتيد للجمهورية، بحجّة وجوب الإتّفاق على مُرشّح جدّي يواجه مُرشّح الثُنائي…كذا… . علماً، أنّ هذه الحجج لا قيمة دستورية لها على الإطلاق، كون الدستور نصّب رئيس المجلس رئيساً لهذه المؤسسة، وليس رئيساً ومُرشدًا ومعلّماً للنواب، أو ناظرًا عليهم.
بالتالي، لا يحّق لرئيس المجلس دستورًا، وبحال عدم الإمتثال لأمنياته، مُصادرة مفاتيح المجلس، وأخذ الإستحقاق الإنتخابي رهينةً، كوسيلة ضغط لتحقيق مآرب معينة.
علماً، أنّ الإجتهاد الدستوري إستقرّ، أنّه إذا إمتنع رئيس المجلس عن تعيين جلسة للإنتخاب في مهلة معقولة إعتبارًا من تاريخ خلّو سدّة الرئاسة أو من تاريخ آخر جلسة دعا إليها، أو إذا تأكّد للنواب أنّ رئيس المجلس لا ينوي تعيين جلسة لهذا الغرض، يحّق لهم عندئذٍ أن يجتمعوا تلقائيًا لانتخاب رئيس للجمهورية، لأنّ المجلس اليوم في حالة إنعقاد حُكمي، سندًا للمادة /74/ من الدستور، ورئيس المجلس مُلزم بتعيين جلسة لانتخاب رئيس للدولة في غضون أيام، ولا يحّق له إطلاقًا تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية أو إرجاء انتخابه إلى أجل غير مُسمّى. فإذا لم يقُم بواجبه بات من حق النواب أن يتجاوزوه.
دراسات في القانون الدستوري اللبناني- للدكتور وليد عبلا- ص/427/و/428/.
إستنادًا لكامل ما تقدّم، ومع ثبوت أنّ رئيس المجلس ما زال مُصرّا على عدم دعوة المجلس النيابي للإنعقاد لانتخاب رئيس عتيد للجمهورية، ومع ثبوت أنّ ما يشترطه رئيس المجلس للدعوة، لا يستقيم دستورًا، ويخرج عن سياق مهامه ومسؤولياته، لذلك، يقتضي على السادة النواب أن يتداعوا ويجتمعوا تلقائياً ويتوجّهوا دون دعوة إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس عتيد للجمهورية، كون المجلس النيابي في حالة إنعقاد حُكمي، ورئيس المجلس ممتنع عن القيام بواجبه.
وبغّض النظر عن إمكانية تأمين النّصاب من عدمه، فالنواب مُلزمين بأداء فريضتهم تجاه ناخبيهم وتجاه الشعب اللبناني. والقبول بالبقاء رهائن لا يجوز.
وبالختام، من واجب رئيس المجلس دعوة النواب لانتخاب رئيس في غضون أيام إن لم نقُل ساعات. وعلى السادة النواب المواجهة وعدم الرضوخ. فالتاريخ لن يُسامحكم والشعب لن يغفر لكم في حال هربتم من المواجهة.
مُردّدًا مع الكاتب والمفكّر المصري فرج فودة (1945-1992) قوله:
«إنّ أقصر السُبُل إلى حلّ المشاكل هو المواجهة، وقد تكون المواجهة قاسية لكنّها أرحم من الهروب».
فحذارِ من الهروب.