كتبت كلير شكر في نداء الوطن:
يعوّل الفريق الداعم رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية على دفع معنوي إضافي قد تحمله الأيام المقبلة، من شأنه أن يعزز حظوظ المرشح الزغرتاوي، من باب تأمين أغلبية نيابية تسمح بوضع ورقتها على طاولة المفاوضات لتحسين الموقع التفاوضي والدفع باتجاه العمل لتأمين النصاب القانوني.
نظرياً، هو الاتكال على حدفة ما قد تُقدم عليها المملكة السعودية لتنتقل من مربّع عدم الممانعة إلى مربّع التأييد من خلال «تحرير» الكتل النيابية المؤيدة لها لكي تنضم إلى قافلة المقترعين لفرنجية. وهنا المقصود بالدرجة الأولى «اللقاء الديموقراطي» على اعتبار أنّ معظم النواب السنّة يميلون إلى التصويت للقطب الزغرتاوي. وبالتالي، العين في هذه المرحلة على المختارة، لتسقط حجارة الدومينو الواحد تلو الآخر بفعل الاستسلام لرياح التغيير الآتية من الخارج.
ولكن في المقابل، ثمة من يقول إنّ هذه الأجواء الحماسية من جانب الفريق الداعم لفرنجية، هي أقرب إلى بروباغندا إعلامية الهدف منها التأثير على النواب المترددين لدفعهم للخروج من خانة اللاموقف والإلتحام بالمحور المؤيّد لفرنجية، وهي بالتالي لا تعبّر عن حقيقة الوضع. أكثر من ذلك، يُقال إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري هو أكثر المستعجلين لإنجاز الاستحقاق الرئاسي والدعوة لعقد جلسة انتخابية لمجلس النواب في ضوء التحذيرات التي سمعها عن استخدام عصا العقوبات الدولية. ولهذا، يكثّف مجهوده في سبيل تحقيق خرق سريع في جدار ترئيس فرنجية، مستعيناً بأسلوب الضغط المعنوي والتهويل والتحذير من أضرار البقاء خارج التسوية الإقليمية.
ومع ذلك، فإنّ حالة التشظّي التي تصيب المعارضة وعجزها عن الاتفاق مع «التيار الوطني الحرّ» على مرشح قادر على إحداث نقلة نوعية في المعركة الرئاسية، هما أشبه بالخاصرة الرخوة التي قد تزيد من فرص فرنجية، لا سيما اذا لم يتمكن خصومه من معالجة خلافاتهم ووضعها جانباً للتوحد حول اسم مقبول من الثنائي ويستطيع أن يقلب المعادلة رأساً على عقب.
ولعل هذه المراوحة هي التي تجعل بعض القوى الخارجية أقرب إلى الاستسلام لخيار القطب الزغرتاوي طالما أنّه لا خيارات بديلة يمكن لترشيحها أن يشكل منافسة جدية، خصوصاً وأنّ الرهان على عودة جبران باسيل إلى بيت طاعة التصويت لفرنجية فيه مخاطرة، بعدما شيطن كل محاولات فتح باب التفاهم مع فرنجية، واذ به يقع في فخ هذه الشيطنة.
في هذه الأثناء، فجّر النائب ألان عون قنبلة مدوية، قد تعيد خلط الأوراق، على أكثر من صعيد، بعدما وضع رسمياً ترشيح أحد أعضاء «تكتل لبنان القوي» على طاولة المفاوضات الجدية. هو طرح ليس بجديد، ولكن تقديمه بهذا الشكل وبهذا التوقيت له أهميته. قال نائب بعبدا إنّه لا امكانية للاتفاق على اسم مع المعارضة بوجه الثنائي الشيعي إلا اذا كان من «التكتل»، فيما التفاهم مع الثنائي يقتضي الاتفاق على اسم مقبول من الأخير، ليطوي نهائياً صفحة جهاد أزعور الذي يرفض بالأساس أن يكون مرشح تحدٍ.
بالتفصيل، يتبيّن أنّ ألان عون قرر القفز فوق الحائط المسدود الذي بلغته المشاورات بين «التيار الوطني الحر»، أو بالأحرى بين رئيسه جبران باسيل والمعارضة، لكون الاتفاق المنتظر لن يكون ذا قيمة اذا لم يكن المرشح المقبول من هذه القوى، مقبولاً أيضاً من الثنائي الشيعي. حتى أنّ المعارضة تتصرّف على هذا الأساس لأنّها تعرف أنّ أي مرشح مرفوض من الشيعة، لن يخرج من تحت قبة البرلمان رئيساً. ولهذا لا تزال تلك المشاورات دونها عقبات.
بناء عليه، اقترح نائب «لبنان القوي» التفكير من «خارج العلبة»: وحده أحد نواب تكتله قد يكون استثناءً لقاعدة التوافق الإلزامي مع الثنائي الشيعي. بمعنى أنّ هذا المرشح هو حكماً لن يكون مرفوضاً من الثنائي لكونه ينتمي إلى تكتل نيابي حليف لـ»حزب الله» منذ أكثر من 17 عاماً، ما يعني أنّ الأخير لن يكون في موقع الاستهداف فيما لو صار هذا المرشح رئيساً.
ما بين السطور
وما لم يقله عون في كلامه، يمكن فهمه بين السطور. وهو أنّ هذا الطرح:
– قد يُحرج أولاً جبران باسيل اذا ما تلقفته المعارضة على نحو ايجابي، خصوصاً وأنّ مسألة ترشيح أحد نواب «التكتل» ليست موضع ترحيب من جانب رئيس «التكتل»، مع أنّ عدداً لا بأس به من النواب يعتبرون أنّها محاولة تستحق أن تعطى فرصتها خصوصاً اذا استمرت المراوحة الرئاسية ولم ينجح الثنائي الشيعي، بدفع فرنسي لا يزال متحمساً لخيار فرنجية، في فتح الأبواب المغلقة. فهذه المراوحة قد تدفع «الحزب» إلى التفكير بخيارات جديدة، يعتقد بعض العونيين أنّهم «أوْلى بها».
– قد يُحرج أيضاً الثنائي، وتحديداً أمام الشارع المسيحي لكونه طرحاً لا يشكل تحدياً ولا استفزازاً. كما أنّ تبني ترشيح أحد نواب «التكتل» يعني أنّ الأخير لم يسلك خيار المواجهة، لا بل أتى بالآخرين إلى خياره. وهذا ما يسحب ذريعة الرفض من جانب «حزب الله» تحديداً.
– هو إعلان صريح من نائب عوني، يمثل رأي مجموعة وازنة من النواب، بأنّ التعامل من قبل أي طرف مع «تكتل لبنان القوي» في الإستحقاق الرئاسي يتطلّب الأخذ بالإعتبار تعدّد التوجّهات الموجودة فيه والتي لا يمكن أن يتفرّد بها أحد خاصة في استحقاق مفصلي بحجم رئاسة الجمهورية في ظلّ كل الإنعكاسات التي ستنتج عنه على البلد وعلى «التيار» تحديداً.
– هو تأكيد على رفض استخدام «التيار» في معارك عبثية قد تضرب صدقيته، والتصويب بالمقابل على أنّه قادر على لعب دور توافقي جامع يطمئن بقية القوى خصوصاً وأن خطوط التواصل مفتوحة مع الجميع ويفترض استثمار هذا الأمر لإنجاز الاستحقاق على نحو تفاهمي.
وسواء سلكت مبادرة ألان عون طريقها إلى التطبيق أم انتهت في أرضها، فهي أتت في هذه اللحظة كـ»ضربة معلم» من شأنها أن تخلط الأوراق اذا ما جرى تلقفها بهدوء وروية، ولو أنّ الحزب «التقدمي الاشتراكي» سرعان ما صوّب عليها من خلال وصف شروطها بالتعجيزية. والانطلاقة ستكون اليوم خلال اجتماع المجلس السياسي لـ»التيار الوطني الحر» الذي سيعقد برئاسة باسيل.