كتب أنطوان الأسمر في اللواء:
أخذ السباق الرئاسي بعدا جديدا بعد نجاح التيار الوطني الحر وقوى المعارضة في تقديم الوزير السابق جهاد أزعور مرشحا متقدما، شكلا ومضمونا، على مرشح الثنائي الشيعي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. ولا ريب أن هذا الواقع هو المتسبّب الرئيسي في خطاب التوتر والتحدي والمواجهة الذي ظهر عليه الثنائي، ولا سيما حزب الله بقيادييّ المستوى الأول والنواب. فمشهدية 14 حزيران لا بد ستترك ندوبها وستُظهر الثنائي، ربما للمرة الأولى، فاقدا القدرة على المبادرة، لا بل منزويا في خانة ضيقة جدا.
كان بإمكان الثنائي تفادي كل هذا الإحراج لو استند الى القليل من التواضع والحكمة، واستمع في الإستحقاق الرئاسي الى الكمّ الهائل من النصائح بألا يذهب متحديا الوجدان المسيحي، ولا الإجماع على ضرورة تقديم مرشّح رئاسي ماروني نموذجي علما وخلقا يتناسب والتحديات التي يواجهها لبنان وقادر على قيادة المشروع الإنقاذي وحفظ المكتسبات التي تحققت. غير أن التركيز كان من اليوم على الأول لإطلاق الثنائي حملة فرنجية، حتى قبل الإعلان الرسمي الذي قاده رئيس مجلس النواب نبيه بري، على الحاجة الى رئيس يحمي ظهر المقاومة، مهمّشا باقي المهام الرئيسة التي يُفترض بالرئيس العتيد أن يتصدى لها بكفاءة وجسارة، وهي في غالبيتها مهام إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي أثبتت المنظومة، وفرنجية منها، فشلها في تحقيقها لا بل تمنّعها المقصود عن خوض غمارها. هي بإهمال الإصلاحات تثبت أن مكتسباتها الفوق دولتية هي في جوهر خياراتها الرئاسية وللحكم الجديد. هذا الواقع تحديدا هو ما دفع التيار الوطني الحر وقوى المعارضة إلى التقاطع على البحث عن اسم تتسم به تلك الصفات الإصلاحية، أو الحدّ الأدنى منها. وليس خافيا أن اسم أزعور كان واحدا من بين مجموعة أسماء، ولم يكن الإسم الوحيد ولا المتقدّم حين حصل التوافق عليه.
المهم أن الواقعة وقعت، وبات على النواب مواجهة ناسهم في صندوقة الاقتراع الرئاسي الأربعاء المقبل. والخياران واضحان، أما ثالثهما في حال نحتْ إليه أقلية من النواب فهو هروب من قبول تحدّي انتخاب الرئيس وانهاء الشغور الرئاسي الذي ترك ندوبا هائلة في الممارسة السياسية والدستورية، ومنح على سبيل المثال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي القدرة على تطويب نفسه رئيسا بالوكالة وملكا متوجا على الجمهورية بمجرّد توقيع أو توقيعين، أو حتى ثلاثة في بعض الأحيان. ولا يستقيم الأداء الدستوري والمؤسسي إلا بتحمّل النواب الـ128 مسؤولياتهم التاريخية وإسقاط الورقة الرئاسية المناسبة لتقفل جلسة 14 حزيران على إعلان اسم الرئيس العتيد.
لكن واقع الحال وما ذهب إليه الثنائي من تهديد ووعيد لن يجعل الجلسة الرئاسية حاسمة رئاسيا. وتُترقب الذريعة التي سيستعملها من أجل إما عدم انعقاد الجلسة من أساسها، وهو أمر وارد ربطا بمجموعة الإشارات الملتقطة منذ الأسبوع الفائت، وإما بتطيير الجلسة الثانية عبر انسحاب النواب الـ 47 المتوقع أن يقترعوا لفرنجية مباشرة حتى قبل بدء عدّ الأصوات. وعندها ستيحمّل هؤلاء، وخصوصا النواب المسيحيين والموارنة منهم، المسؤولية الأدبية والمعنوية والسياسية عن تطيير النصاب أمام ناسهم في كسروان وبشرّي وغيرهما.
وثمة من يرصد بدقة مسار جلسة 14 حزيران وما سيليها من مشهدية سياسية يؤمل أن تكون حكيمة وواعية لا نافرة ومتجاسرة. ذلك أن أي نية للحل يجب أن تؤسَّس على القدرة على إعادة إطلاق حوار جاد وموضوعي لا على طريقة «هذا هو مرشحنا (فرنجية) فتالعوا لنتحاور حتى نتفق أو نتوافق عليه». إذ بات باديا وبائنا أن القوى المسيحية التي تقاطعت على لفظ هذا الترشيح ما عادت في الوارد أن تعود إلى الوراء، ولا أن تساوم على الحد الأدنى المطلوب في مواصفات الرئيس العتيد.
معلومات عن توجُّه أزعور لإستباق الجلسة الرئاسية البالغة الأهمية
أما الوعيد ورسائل التهديد المباشرة وغير المباشرة التي سلكت منذ أيام طريقها إلى أزعور والقوى الداعمة لترشيحه فليس لها مكان للصرف، مع عدم إهمال التهديدات الأمنية منها. لذا لم يكن مستغربا أن يزيد بعض من تلقوا تلك الرسائل الإحتياطات ويفعّل الإجراءات التي تحيط تحركاته.
وتُرتقب في هذا السياق الخطوات التي سيُقدم عليها أزعور، وهي في غالبيتها حوارية مع عدد من الكتل الداعمة أو حتى المترددة، مع إمكان أن تكون له إطلالة علنية مطلع الأسبوع تكون بمثابة تعريف بترشيحه ومشروعه الرئاسي السياسي والاقتصادي – المالي.
كما يُرتقب ما سيكون في جعبة فرنجية يوم غد الأحد من مواقف بعد التطورات الدراماتيكية، محليا وفرنسيا، والتي نالت من جزء كبير من ترشيحه.