كتب أسعد بشارة في نداء الوطن:
يبتكر مبتكر القبعة والأرانب كل مرة يكاد يختنق فيها، في مسار التحايل على الواقع، حيلة سياسية جديدة لشراء الوقت، واستنفاد ألاعيب الفراغ. وآخر هذه الحيل الدعوة إلى جلسة اشتراعية، كل الهدف منها القول إنّ «البلد ماشي ولا يهمك».
لكن ما فات الأستاذ نبيه بري أنّ البلد مش ماشي، وهو خير العارفين أنّه ليس بالجلسات الاشتراعية، يمكن إخراج المريض من غرفة العناية الفائقة، ولا بجلسات الحكومة الفاقدة الأغلبية النيابية، يمكن الاستمرار، ولو على إيقاع صرخات الاستغاثة المفتعلة لموظفي القطاع العام.
يملأ الرئيس نبيه بري الفراغ بالضحك على الأيام، وبشراء الوقت الثمين، لعل النهاية تتوج بانتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية أو من يشبهه، وبذلك يكون قد استمر بإمساك جميع خيوط السلطة، من حكومة مستقيلة رئيسها لا يخطو خطوة الا بالتنسيق مع الرئيس بري إلى مجلس نيابي مصادر لا يجتمع إلا لكي يرسل رسالة بأنّ لا فراغ دستوري، علماً أنّ الفراغ مرشح لأن يكون مديداً لأشهر وسنوات.
يملأ الرئيس بري الفراغ بتمديد أمد الفراغ، فقد أدت رئاسة المجلس قسطها للعلى بتحديد جلسة 14 حزيران، ثم دخلت الجلسات في غيبوبة عين التينة، بانتظار التلويح الجدي بعقوبات آتية، وسوى ذلك لن يتم تحديد جلسة أخرى، وإذا اضطر رئيس المجلس لتحديدها، فسيتم كما المرة الماضية، إفقاد النصاب، والادعاء بأنّ الرقم 51 حقق انتصاراً ثانياً لمصلحة سليمان فرنجية.
لم يحقق بري منذ أعلن ترشيح فرنجية، إلا المزيد من العزلة والانكشاف. نزع هذا الترشيح عن رئيس المجلس، القدرة على لعب دور الصمام والأمان، ووضعه في خانة شبيهة بالتي نتجت عن مرحلة العام 2005، حين اغتيل رفيق الحريري، فتميز بري إلى حين، بلعب دور الوسيط، لكنه ما لبث في 7 أيار وبعده أن فقد هذا الدور، ليظهر اليوم على شكل رأس حربة متطرفة، إلى حدّ التعرض للعزلة الداخلية، ولفقدان الدور الذي طالما برع في تلبس صفاته واحتراف أصول استعماله.
لن تنجح الجلسة الاشتراعية، التي لعب فيها بري لعبة التانغو مع جبران باسيل، في حرف الأنظار عن الفراغ المفروض بتوقيع من الممانعة. فالفراغ أكثر وقعاً من جلسات اشتراعية وحكومية، ليس الهدف منها إلّا الادعاء بأنّ هناك سلطة تحكم، وأنّ هناك مؤسسات تعمل، في حين أنّ ما علق في أذهان الرأي العام في الداخل والخارج، مشهد خروج النواب من جلسة انتخاب الرئيس، ومن هؤلاء كتلة رئيس المجلس نفسه، الذي حرص على تحديد جلسة اشتراعية، فيما لم يكن قد جفّ بعد، أثر تعطيله جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.