كتب رامي الريس في نداء الوطن:
واضحٌ أنّ المنافذ الداخليّة قد أقفلت بشكل تام في ملف انتخابات رئاسة الجمهوريّة وأنّ الرهان على تحقيق خرق جدي في هذه القضيّة تمنعه، ليس فقط التوازنات الدقيقة في المجلس النيابي الحالي فحسب، بل أيضاً إنعدام الرغبة عند بعض القوى السياسيّة اللبنانيّة بالتراجع عن مرشحها والسعي لفرضه بالقوة على الآخرين.
ليست المرة الأولى التي يهدر فيها اللبنانيون فرصة «لبننة» الاستحقاق الرئاسي مؤكدين قصورهم السياسي وإتكالهم على الخارج لاجتراح الحلول لهم بعد تفاقم المشاكل وتراكمها من دون أن يكترثوا حقاً لهموم الشعب والضائقة المعيشيّة الخانقة التي يعاني منها، لا بل يذهب بعضهم إلى القول بتبجح: «فلنرَ من سيصبر أكثر!».
معظم «الانتخابات الرئاسيّة» السابقة التي شهدتها البلاد كانت بمثابة تسوية خارجيّة- محليّة ولدتها ظروف وتقاطعات معيّنة ومن ثم تم إخراجها في المجلس النيابي عبر دوران صندوق الاقتراع على النواب الذين تتوزع أصواتهم وفق ترتيبات معروفة سلفاً.
ولعل الاستشهاد الدائم بمثال الانتخابات الرئاسيّة سنة 1970 على أنّها كانت الانتخابات الديمقراطيّة الوحيدة منذ الاستقلال فيه شيء من الصحة خصوصاً أنّ النتيجة كانت بفارق صوت واحد. لم يطعن أحد بالنتيجة، رغم حساسيتها ورغم دقة الظرف السياسي في البلاد، كما لم يخرج إعتراض يومذاك في البلاد يشير إلى أنّ الأصوات الوازنة التي نالها المرشح الخاسر إلياس سركيس لم تؤخذ بالاعتبار أو أنّ ذلك سيؤدي إلى شر مستطير.
إنّ الإفراغ المنهجي لفكرة الانتخابات من مضمونها والإصرار على بناء التفاهمات السياسيّة المسبقة حول شخص الرئيس بات يطرح علامات استفهام عميقة حول مفهوم الديمقراطيّة برمته وحول إصرار بعض الأطراف المحليّة على تطويع الواقع السياسي بما يتلاءم مع مصالحها حصراً حتى ولو كان على طرفي نقيض مع المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة.
المهم اليوم أنّ التعويل على الحراك السياسي والديبلوماسي الخارجي بات حجر الزاوية للخروج من المأزق الرئاسي وأن المطلوب من خلاله إقناع الأطراف الدوليّة والاقليميّة الفاعلة والمؤثرة في الساحة اللبنانيّة من خلال قوى محليّة بضرورة صياغة مقاربات جديدة للملف الرئاسي والخروج من مربع التمسك بالترشيحات التي لا تحظى بالدعم السياسي والبرلماني الكافي للوصول إلى القصر الجمهوري.
ثمّة تسوية كبرى مطلوبة في هذا الملف لأنّها المدخل الوحيد الذي يمكن من خلاله إحداث الخرق المطلوب وإلا سيواصل لبنان الدوران في حلقة مفرغة تتركز من خلاله حالة المراوحة القاتلة التي تفعل فعلها في اللبنانيين لا سيّما في ظل التراجع الكبير الذي تشهده البلاد على مختلف المستويات.
كم هو معيب الاعتراف بإنسداد الآفاق المحليّة وتمنّي تنشيط المسارات الخارجيّة مع كل ما يعنيه ذلك من تكريس لواقع السيادة اللبنانيّة المنقوصة في الكثير من المجالات التي يُضاف إليها اليوم انتخاب رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة. وكم هو معيب أن يكون العقم السياسي الذي تعيشه البلاد هو مفتعل عن سابق إصرار وتصميم من قبل جهات محليّة لبنانيّة نافذة لا تراعي الصيغة اللبنانيّة بتركيبتها المتنوعة والتعدديّة.
لا يمكن بقاء الوضع على حاله إلى أمد بعيد، فالأسر اللبنانيّة تفككت بفعل الهجرة المتنامية إلى كل أصقاع الأرض في الوقت الذي يحتاج لبنان إلى أبنائه للنهوض من كبوته لا سيّما أنّ تلك الكفاءات تحقق بغالبيتها الساحقة نجاحات ملحوظة في الخارج الذي يوفر لها مناخات وبيئات مناسبة للعلم والانتاج والاستثمار.
الخروج من الدوامة القاتلة بات ضرورياً كي لا يستمر الانهيار بأشكاله المتعددة دون رادع. وكما نكتب دائماً: المهم توفر الأخلاق السياسيّة!