سلايداتمقالات

لا يوم القيامة ولا معيار المنطق

كتب رفيق خوري في نداء الوطن:

ما بعد 31 تموز ليس يوم القيامة بل يجب ان يكون بداية الخروج من «جهنم». وكفى الذين سطوا على المال العام والخاص بكاء على «الساحر» الذي أدار اللعبة تحت أوسع غطاء سياسي وقام بأكبر عملية خداع للناس عنوانها تثبيت سعر الليرة، ولكن بأموال المودعين. كفى نواب الحاكم الاربعة تمثيل ادوار في سيناريوات معدة سلفاً لتغطية الهرب من المسؤوليات عن مشاركة رياض سلامة التعاميم والقرارات والهندسات اللاقانونية، كما من تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم بحكم القانون بعد انتهاء ولايته. كفى رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان والوزراء تعيين محاسيب للنافذين في المصرف المركزي الذي يحتاج الى خبراء تقنيين أكفياء نزهاء ومستقلين لإدارة السياسة النقدية بالتكامل مع السياستين المالية والإقتصادية، لا كبديل منهما. وكفى خسائر للبلد تتحول أرصدة للمافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة عبر»إقتصاد الكازينو». إقتصاد بلا مخاطر على اللاعبين الذين ربحهم مؤكد وخسارة الكازينو مؤكدة، على عكس اللعب في الكازينوات حيث الرابح في النهاية هو الكازينو والخاسرون هم اللاعبون.

والبداية هي وقف الدوران حول الشغور الرئاسي. الكف عن إختراع ألعاب واعراف وفتاوى سياسية وإدارية «قانونية» للإيحاء أن إدارة البلد ممكنة من دون رئيس جمهورية. الإعتراف بأن من الوهم إستعادة التعافي المالي والإقتصادي من دون «التعافي السياسي»، ومن الخطر وضع الحسابات السياسية الفئوية والشخصية والحسابات المرتبطة بمشاريع اكبر من لبنان فوق معاناة اللبنانيين من اسوأ أزمة مالية واقتصادية واجتماعية. والوعي بان الصراع السياسي الدائر، مهما تكن اسبابه ومبرراته والاهداف، تجاوز مرحلة اللعب على حافة الهاوية وصار صراعاً باللحم الحي في الهاوية، حيث الطبقة ما قبل الأخيرة في «جهنم».

ذلك ان مفتاح الرئاسة ليس في يد فرنسا، ولا حتى في يد «الخماسية» العربية والدولية التي اكتفت بتكرار المواصفات المطلوبة في الرئيس ومنه. لكن المفتاح، مهما تكن اليد التي تحمله، لا يعمل ما دامت اللعبة الديمقراطية معطلة. فلا جدوى من ان يعلن صاحب السلاح انه لا يريد تغيير شيء من الطائف والصيغة، حين يكون الدستور معلقاً عملياً بالقوة. ولا فائدة من حديث المنطق لتغيير المواقف المرتبطة بمصالح ضيقة وحسابات واسعة.

ولو كان المنطق الوطني والسياسي هو المعيار في حوار يقود الى حل لما تعثر الحوار وتأخر الحل. فالمطروح منطقياً ليس مصير «المقاومة الإسلامية» بل مصير لبنان. والخطر الوجودي هو على الوطن الصغير وليس على المقاومة. والمعنى البسيط لذلك أن الأولوية التي يجب ان تفرض نفسها على الجميع هي لتمتين الأسس التي قام عليها لبنان. فلماذا تبدو المقاومة التي تتصرف على أساس أنها قوة إقليمية تخيف إسرائيل وتفرض عليها «توازن الردع» كأنها خائفة من رئيس ليس على قياسها وإن كان على قياس لبنان، ومصرة على رئيس يطمئنها وتطمئن هي اليه، بدل رئيس يطمئن لبنان ويطمئن اليه اللبنانيون؟ الظاهر ان «حزب الله» يبني حساباته، لا على الخطر بل على الفرصة التي يراها مفتوحة أمامه للإمساك بكل المؤسسات.

العالم، في رأي فرنسيس فوكوياما، قسمان: «تاريخي وما بعد تاريخي». لكن لبنان يبدو محكوماً بالدفع الى قسم ثالث هو ما قبل تاريخي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى