كتب رامي الرّيس في نداء الوطن:
ما الهدف من تشكيل لجنة فضفاضة للتفاوض مع النظام السوري في ملف عودة النازحين؟ وهل يحتاج تنظيم هذا الأمر فعلاً أن يتوجّه نصف أعضاء الحكومة إلى دمشق لوضعه على السكة الصحيحة؟
بعيداً عن السجالات التافهة بين الوزراء المعنيين بين من هو متحمّس لرئاسة الوفد ومن هو غير متحمس لذلك والاتهامات المتبادلة في ما بينهم بأقذع العبارات، هل دمشق أساساً في وارد إعادة النازحين بعد كل التغيير الديموغرافي والميداني الذي حصل في سنوات الحرب وبعضه كان مفتعلاً وعن قصد؟
ثمة مثل شعبي يقول إن «العريس وأهله موافقون على الخطبة، وتبقى موافقة العروس»! العودة غير متيسّرة حتى اللحظة أقلّه العودة الآمنة التي يمكن من خلالها التثبت بألا يتعرّض هؤلاء الذين هربوا خوفاً من الموت إلى أي تهديد في سلامتهم.
طبعاً، الطرح الأوروبي والغربي عموماً فيه الكثير من الوقاحة لأنّه يمس السيادة اللبنانيّة ويغيّر تدريجيّاً طبيعة التركيبة المحليّة الدقيقة والمهتزة أصلاً والتي لا تحتاج إلى مزيد من التعقيدات لكي تتعرّض لانتكاسات سلبيّة إضافيّة. لا بل هو قائم على الاستهزاء بلبنان وقدرته على الاعتراض والسبب الرئيسي في ذلك هو أنّ نظرة الدول إلى البلد باتت فوقيّة جداً نتيجة الفشل المحلي في النهوض بالوضع القائم عبر إقرار الإصلاحات المطلوبة التي طال انتظارها.
ليس المطلوب من لبنان الخضوع لأي قرار خارجي في ملف النازحين أو سواه، ولكن ليس المطلوب أيضاً أن يتخلى لبنان عن موقفه التاريخي الداعم لحقوق الإنسان بما يؤمّن العودة الآمنة لهؤلاء النازحين إلى ديارهم. إنّ من يطرح إبقاءهم إلى الأبد في لبنان إنما يقدّم طرحاً انتحارياً لا يمكن القبول به تحت أي ظرف من الظروف.
ولكن، على لبنان أوّلاً أن يستعيد هيبته وحضوره في المجتمعين العربي والدولي وأن يخرج سريعاً من انتهاج أسلوب «الشحاذة السياسيّة» التي يترجى فيها بعض المسؤولين اللبنانيين من الدول الأخرى المساعدة في الصمود والبقاء، والمساعدة أيضاً في إيجاد المخارج السياسيّة والدستوريّة للأزمات المفتعلة التي يمكن حلها بمجرّد توفر الإرادة السياسيّة.
على القوى اللبنانيّة التي تمارس التعطيل أن تُفرج عن انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة بعد أشهر من الفراغ الرئاسي بما يعيد الاعتبار للمؤسسات المشلولة، ومن ثم المباشرة بتطبيق الإصلاحات الضروريّة ووضع الخطوات المطلوبة للخروج من الأزمة موضع التطبيق، ومن ثم تسير الأمور تدريجياً في الاتجاه الصحيح ولا تعد ثمة حاجة لمواصلة تطبيق نهج «الشحاذة السياسيّة»!
إن الانهيار الكبير، والسياسات الماليّة والاقتصاديّة غير الملائمة التي اتُّبعت، والتخلف عن سداد الديون المالية المتراكمة والمستحقة، والمقاربات المبعثرة للعلاج الاقتصادي والاجتماعي المنتظر والعديد من العوامل الأخرى، أوصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم في ظل عدم اكتراث سياسي شبه شامل يعكس نفسه من خلال المواقف اللامبالية التي يطرحها العديد من الأطراف في لحظات السقوط المؤلم والمدوي.
من غير المقبول أن تستمر سياسة «عضّ الأصابع» وأن تتبارز القوى السياسيّة في ما بينها عمّن يمتلك القدرة الأكبر على الاحتمال وأن يراهن البعض منها على إنهاك الآخرين للوصول إلى حل أو تسوية سياسيّة لإخراج البلاد من أزماتها المتراكمة، والتي تتخذ أبعاداً جديدة تضيف إلى تعقيداتها القديمة تعقيدات إضافيّة أكثر شدة وصعوبة.
مع كل الترحيب بالموفد الرئاسي الفرنسي وسواه من المبعوثين، كان بالإمكان أن يكون الحل لبنانيّاً إذا ما التزمت بعض القوى السياسيّة بروحيّة الدستور وأوقفت سياسة التعطيل. كم هي بشعة سياسة «الشحاذة السياسيّة» بسبب هذه السلوكيّات!