كتب ألان سركيس في نداء الوطن:
عاود محور «الممانعة» محاولاته لكسب تأييد عدد من الكتل لمرشّحه رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، متغاضياً عن الرقم الذي حقّقه فرنجية في آخر دورة وعن الظروف الخارجية التي أسقطت المبادرة الفرنسية وجعلت باريس تُغيّر استراتيجيّتها الرئاسية بعد الفشل الذي ضرب مبادرتها الأولى.
بعدما أكمل النائب السابق وليد جنبلاط استدارته على 14 آذار بعد 7 أيار وانتخابات 2009 النيابية، وذهب إلى موقع الوسط القريب من «حزب الله» وخطّ «الممانعة» وأعاد وصل ما انقطع مع الرئيس السوري بشار الأسد، أرسل حينها نجله تيمور إلى احتفال لـ»حزب الله» في الضاحية الجنوبية، معلناً أن إرسال تيمور إلى احتفال المقاومة هو لأنه «طريّ العود» ويجب أن يشتدّ ضمن الخط العام للحزب التقدّمي الإشتراكي، أي خطّ مقاومة إسرائيل.
ومعروف عن جنبلاط عدم ثباته على موقف واحد، فهو يتّخذ قراراته وفق التقلّبات الداخلية ووفق السياسات الإقليمية والدولية التي تُرسم، لذلك وبعد نحو 22 شهراً على انتخابات 2009، انقلب التفكير الجنبلاطي رأساً على عقب مع اندلاع الثورة السورية في 15 آذار 2011. وأطلق وقتها تصريحه الشهير «أجلس على ضفة النهر أنتظر مرور جثّة عدوّي» أي جثة النظام السوري الذي يحمّله المسؤولية عن مقتل والده كمال.
وبين كل هذه التواريخ يبقى جنبلاط من اللاعبين الفاعلين في السياسة، حتى لو سلّم رسمياً قيادة الحزب الإشتراكي إلى نجله تيمور. وهنا يستعيد جنبلاط تجربة الرئيس المؤسّس لحزب الكتائب اللبنانية الشيخ بيار الجميل، فعندما كان يُفاوض ويريد التشدّد كان يُرسل نجله بشير، وعندما يحتاج التفاوض إلى ديبلوماسية واستعداد لتقديم تنازلات كان يُرسل على رأس الوفد الكتائبي نجله أمين للقيام بما يلزم وإبرام تسوية ما. ويُعيد التاريخ نفسه في ما خصّ موقف جنبلاط من الإستحقاق الرئاسي، فهو لا يريد انتخاب مرشح «حزب الله»، أي رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، لكنه مُحرج أمام صديقه التاريخي رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ولا يرغب في كسر «الجرّة» نهائياً مع «حزب الله» على الرغم من التموضع المعروف لجنبلاط، لذلك يُحيل وليد جنبلاط كل من يفتح معه الملف الرئاسي إلى نجله تيمور باعتبار أنّ تيمور هو رئيس «اللقاء الديموقراطي» ورئيس الحزب التقدّمي.
لا يرغب تيمور جنبلاط في انطلاقة متعثّرة برئاسة الإشتراكي، ويفتتحها بخيار انتخاب مرشح «حزب الله» و»فتح مشكل» مع الدول العربية حتى لو تركت الخيار للّبنانيين، وبات البيت الجنبلاطي مقتنعاً بأن الإتفاق السعودي – الإيراني لا يشمل لبنان، بل يُركّز على اليمن وسوريا والعراق.
وإذا كانت الضبابية العربية تطغى في وقت سابق، إلا أنّ الموقف العالي النبرة بعد اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة، أكّد بما لا يقبل الشكّ عدم رضى الدول العربية الفاعلة والولايات المتّحدة الأميركية باستمرار «حزب الله» في القبض على مفاتيح السلطة وإدارة البلاد بالطريقة التي تُدار بها.
لكن ما ظهر في الأيام الأخيرة، عودة محور «الممانعة» إلى ممارسة ضغط كبير على 3 كتل باستعمال الترغيب والترهيب، وهذه الكتل هي: «التيار الوطني الحرّ»، الحزب التقدّمي وتكتل «الإعتدال الوطني». وكما يبدو واضحاً حسم رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل موقفه بعدم التصويت لفرنجية رغم الحوار الدائر مع «حزب الله» ذلك لأنّ الشروط التي يضعها تعجيزية تؤكد عدم مضيه بترشيح رئيس «المرده»، فيما لن يُقدم النواب السنّة وتكتّل «الإعتدال الوطني» على خطوة من دون إشارة سعودية واضحة، ويبقى الضغط الأكبر الذي يمارسه محور «الممانعة» على «اللقاء الديموقراطي». وتُشير المعلومات إلى حسم تيمور جنبلاط موقفه نهائياً وهو عدم التصويت لفرنجية أياً تكن المغريات، وقد أعلن أنه لن يصوّت لصديق الرئيس بشار الأسد، وهذا الموقف نابع من اقتناع بعدم القدرة على الاستمرار في إدارة البلاد، كما كانت عليه منذ سنوات، إضافةً إلى عدم الإقدام على خطوة تستفزّ المسيحيين. وما توجهه إلى معراب واجتماعه بالدكتور سمير جعجع إلا إشارة حاسمة على تمركز تيمور.
وبالتالي لم تنجح كل حملات محور «الممانعة» التي وصلت إلى حدّ إشاعة أجواء مفادها أنّ موسكو تضغط على جنبلاط وقد استدعته من أجل إقناعه بانتخاب فرنجية، وهذا ما نفته مصادر ديبلوماسية مطلعة على الموقف الروسي.
وأمام كل هذه الوقائع، لم يُسجّل محور «الممانعة» أي تقدّم في حصد المزيد من الدعم لفرنجية، بل إنّ عدداً من النواب صوّت لفرنجية في الدورة الأخيرة كرمى لعيني برّي ولن يمنحوه أصواتهم في الدورة المقبلة.