كتب بسام ضو في اللواء:
يعتبر الباحثون أنّ الدولة اللبنانية في حالة خطر وجودي بوتيرة أسرع من السابق، إذ يتظهّر لهم موضوع الفراغ الممنهج الوافد إلى كل مؤسساتها تبعاً لمراحل تواجد من يُديرون بعض إداراتها وفي الأمس خرج حاكم مصرف لبنان دون أن يتّم تعيين بديل عنه… والوضع الإداري في الدولة مستمِّر في الإنحدار ويكتنفه الغموض إذ يؤخذ على هذا الشغور بأنه مُبرمج على إيقاع إفراغ إدارات الدولة من شاغليها الأساسيين وفقاً لمندرجات إتفاق الطائف ولما تنص عليه صيغة العام 1943، وإنّ الهدف من هذا الشغور المنظّم على ما يبدو ضرب كل مقوّمات دولة العام 1920 وصولاً إلى دولة لا تُشبه اللبنانيين، بل هي دولة مسخ يُخطّط لها منذ فترة بوصاية إقليمية وتنفيذ داخلي من قبل من يتوالون على السلطة وهذه آفة من المفترض تدارك خطورتها على بُنيان الدولة.
تنبع أهميّة هذه المقالة من أنها وإستناداً إلى مراكز الأبحاث اللبنانية والإقليمية والأجنبية تتناول ظاهرة الفراغ بشكل أكاديمي سواء أكان من الناحية العلمية أو من الناحية التطبيقية… فموضوع الفراغ مهم وهو أحد المواضيع المتداولة والمنتشرة على مستوى واسع في الأوساط الأكاديمية والشعبية والمثقفين والسياسيين وحتى بعض رجال الدين منذ فترة بحيث أصبح من غير المنطق تجاهله خصوصاً في هذا الظرف العصيب من تاريخ الدولة اللبنانية.
المرحلة الراهنة على ما يبدو تشهد عدم الموضوعية من قبل الوزراء النوّاب رؤساء الكُتل البرلمانية رؤساء الأحزاب عند مقاربة موضوع الفراغ في إدارات الدولة الأمر الذي نُحاول فيه من خلال هذه المقالة تداركه وتوضيحه من خلال الكشف على سيئات الفراغ وخطورته على أجهزة الدولة، فثمة فرق كبير بين «فراغ الإدارات» وتعبئة الفراغ بالتكليف المؤقت… فشل الأداء السياسي الذي أوصلنا إلى تلك الحالة سببه الصراعات الداخلية والتدخلات الإقليمية – الدولية وهو ما يمكن إعتباره حالة فوضويّة للفشل من قبل السياسيين الذين فشلوا في ممارسة العمل السياسي في ظل تنامي «الفوضى السياسية» و«الزعرنة السياسية» وهدر المال العام وفي ظل تنامي متطلبات الشعب اللبناني المحروم من أبسط حقوقه الإستشفائية والمعيشية والإجتماعية والتربوية بما يفوق موارد الدولة المسروقة وهيكليتها القائمة الفاقدة للمصداقية الداخلية والإقليمية والدولية، وهذا الأمر حتّم الفراغ في كل مؤسساتها وإسْتُبدِلَ بالتعيين أو بما يُعرف بـ «التكليف».
لغاية اليوم وللأسف لم يتُّم التوّصُلْ إلى ما يُعرف بـ«تسوية رئاسية»، وإنّ الأوضاع العامة في البلاد ستغدو عقيمة، وهذا الشغور على ما يبدو سيطول وستتنقل عدواه إلى جميع إدارات الدولة اللبنانية والمُلفت أنّ هناك سكوتاً من قبل الساسة في لبنان معطوفاً على مقاربة الإستحقاق الرئاسي من زاوية «مصالح خاصة معطوفة على مصلحة إقليمية» وجميع هؤلاء يتنطّح ويُقدّم التنازلات شرط أن يتّم قبوله «رئيسًا للجمهورية» وهو بمثابة «خيال صحراء». لقد بدأ الوقت ينفد أمام اللبنانيين وعلى ما يبدو هناك فشل ذريع بمقاربة الإستحقاق الرئاسي فلا المسعى الفرنسي – الخليجي – الدولي أثمر، ولا هناك بوادر توافق على المستوى الداخلي.
كباحث ومتعاطٍ في الشأن العام أخشى من شغور كل المناصب العليا في دولة لبنان وهذا أمر بات شائعاً في دولة يحكمها رعاع مأجورين، والأمر الذي يثير مخاوفنا أنه سيُصبح دراماتيكياً بشكل متزايد وهذه مقولة يعتبرها «علم السياسة «تحديداً» الفراغ علامة أنّ هناك نظاماً سياسياً فاشلاً يزيد الأزمات عمقاً وبسببه تنهار كل مقومات الدولة». إنّ الشغور يزداد خطورة على مؤسسات الدولة فالقصر الجمهوري شاغر بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون وبعد فشل من سمّوا أنفسهم وكلاء عن الشعب في إنتخاب رئيس جديد وها هو حاكم مصرف لبنان يُغادر حاكمية مصرف لبنان بعد أن أتحفونا بمحاكمته وولاية قائد الجيش تقترب من النهاية والمُلفت أنّ المغادرين سدّة المسؤولية هم من المسيحيين الموارنة، وكأنّ في الأمر مرجعية معينة تخطط لمواصلة إحكام قبضتها على مختلف نواحي الدولة من السياسة إلى الأمن إلى المال إلى الإقتصاد في وقت تكتفي بعض المراجع الروحية والعلمانية بتوصيف واقع الأمور دونما عرض البديل وكأنّي بها وكيلة حصرية لتنفيذ هذه المؤامرة الخبيثة على دولة لبنان.
بعد العديد من المباحثات والإجتماعات التي حصلت مع أعضاء من السلك الخارجي ومراكز الأبحاث في لبنان وعالم الإنتشار أجمعتْ كل هذه المراجع ومن مختلف الإتجاهات على أنّ هناك مأزق في النظام السياسي المُمارس من قبل هذه الطبقة السياسية الفاشلة، والمهم أنّ كل الذين راجعناهم أجمعوا أنّ هناك جهلاً فاضحاً لأصول «العلوم السياسية» من قبل «تُجار السياسة» فأغلبيتهم «وصلوا إلى السلطة أو حجزوا مقاعد بواسطة أموالهم لا بواسطة عقولهم وكلهم دُمى تُحرّك غُبّ الطلب من قبل الذين يُمسكون السلطة برعاية إقليمية وبغض نظر دولي – إقليمي». لا تصوّر لنظام سياسي بديل يُخرج لبنان من أزمة الفراغ القائمة، الكُل يحرق الكُل وأغلبية اللاعبين هم من المذهب الماروني والخلاف على من يستطيع تبوأ هذه الكرسي.
أدّى هذا الخلاف الماروني – الماروني سابقاً إلى إنهيار دستور لبنان، فإضطرت الدول الصديقة إعادة صياغته وفقاً لواقع الحال في حينه ممّا أدّى إلى تقليص حاد لتواجد الموارنة في إدارات الدولة ودفع غالبية الموارنة إلى الهجرة والسجون واليوم ندفع الثمن بشكل دراماتيكي في حين تسبب صعود الهيمنة السياسية والتوتاليتارية للأحزاب المسيحية الحالية في إخلال التوازن السياسي والحضور المسيحي بينما تراجع دور البطريركية المارونية وتجاهلها لأصول «العلوم السياسية» في تعميق النفوذ الغريب على أرض لبنان ممّا أدّى إلى فراغ المؤسسات الرسمية من حضورها المسيحي عامةً والماروني خاصةً.
لبنان الدولة في خطــر إننا كمثقفين وباحثين وكلبنانيين مستقلّين مطالبون بالإعتماد على النفس والوقوف في وجه مؤامرة الفراغ وتتمثل الخطوة الأولى المُلحّة للخروج من مأزق الفراغ في توافق سياسي على مُرشح رئاسي يحمل مشروعاً متحرِراً من كل هذه الجماعة السياسية وقلب الطاولة، لأنّ إستمرار الأمور على ما هي عليه يعني أنّ لبنان في دائرة الخطر، وسيكون هناك مجموعة سلطة عفنة ساعية إلى إعادة تقاسم السلطة من جديد على غرار ما حصل في عام 2016، والأمر على ما يبدو ممكنًا في هذه الظروف وفي «زمن المحل». اللهم إنقذنا.