كتبت سناء الجاك في نداء الوطن:
تحلّ ذكرى جريمة تفجير مرفأ بيروت بعد يومين. السلطة المنبثقة من منظومة الممانعة أعلنتها يوم عطلة رسمية. وقامت بالواجب، وعلى أهالي الضحايا أن يستكثروا بخيرها ويمجدوا رهافة إحساسها، فهي تتغاضى عن «عنفهم» وتتسامح حيال رعونة تصرفاتهم وتتركهم يعبرون عن وجعهم وغضبهم كيفما طاب لهم ليفشّوا خلقهم، ثم يعودون إلى عتمة معاناتهم وحرقة قلوبهم، لأنّ العدالة لكشف المسؤولين عن خسارتهم أحبتهم لن تتحقق.
وأعضاء الشرف في المنظومة معذورون. همومهم تتراكم، وآخرها انشغالاتهم بإصدار بيانات تشجب الفوضى الناتجة عن انفجار الوضع الأمني في عين الحلوة. أمّا تدفّق السلاح إلى المخيمات الفلسطينية، وتحديداً إلى الجماعات التي تدور في فلك الممانعة والتطرف والذي يشي بالسيناريوات المشبوهة التي تؤدي إلى هذه الاشتباكات، فلا لزوم للسؤال عنه. هو لا يختلف عن أطنان النيترات الذي رست في المرفأ ومن ثم عبرت الحدود لمساندة النظام الأسدي. وهو يؤدي الوظيفة ذاتها المطلوبة من رأس المحور ليستكمل، ليس فقط مصادرة السيادة، وانّما أيضاً مفاقمة الانهيار في لبنان ومنع إيقاف وتيرته المتسارعة مالياً واجتماعياً وأمنياً.
ويندرج الإمعان في إفلاس الدولة ومؤسساتها ضمن هذه الاستراتيجية. لذا يتكرس الشلل المتعمد في مرافق كفيلة بأن تدر ما يساعد على إنعاش خزينة الدولة، كتأمين الطوابع البريدية المفقودة والتي تباع في السوق السوداء بأسعار تفوق قيمتها الفعلية بأضعاف مضاعفة… أو إعادة تشغيل «النافعة» بمرافقها وإداراتها، والأهم فتح الدوائر العقارية ليصار إلى تحصيل الرسوم. ناهيك عن ضبط التهريب لتحصيل الضرائب الجمركية على السلع الفاخرة من كافيار وسيجار وما إلى ذلك من رفاهيات تستنزف الدولار.
ولكن مثل هذه الإجراءات محرّمة على الدولة ومؤسساتها، تماماً كما هو محرّم تفعيل عمل القضاء، إلا حيث تستفيد منظومة الممانعة، خلال سعيها المشكور لإلهاء المواطنين بما يشغلهم عن الأساسيات المفترض أن يطالبوا بها السلطة.
ومن وسائل الإلهاء تكبير الحجر في ادّعاء الخوف على أخلاقيات المجتمع اللبناني. وكأنّ ما يرتكبه الغيارى على القيم الدينية ليس أشد فتكاً من السلوكيات المندد بها. فالقيم المطلوب حمايتها لا تتعارض مع حلال تحويل لبنان وسوريا إلى مركزٍ عالمي لتصنيع الحبوب المخدرة وتصديرها ونشرها بين الفتيان القُصّر اليافعين لقتل أجيال بكاملها، أو تحريض بيئتهم انطلاقاً من التجييش المذهبي على رفض الآخر والتعالي عليه، أو تجنيد مراهقي هذه البيئة وشبابها ليموتوا فداء مشاريع محور الممانعة.
المهم يبقى تدمير لبنان ليصبح أكثر فأكثر مطيّة للمحور، وصندوق بريد لإيصال رسائل أمنية – سياسية إلى حيث يجب… والسلاح الفلسطيني دخل على خط الرسائل منذ إعلان توحيد الساحات. بالتالي بدأت عملية التنظيف من الداخل، لحصر وجوده لدى فئة تأتمر بأمر المحور وتنفذ تعليماته. تماماً كما تمّ القضاء على المقاومة الوطنية ليصبح القرار السياسي لدى الحزب الإلهي.
وهذه المخططات التي يتم تنفيذها وبنجاح منقطع النظير تتطلب المزيد من الإثارة. لذا لا شيء يمنع أي كارثة أو مصيبة أو حادثة مؤسفة في لبنان، فهي تغذّي أهدافاً متنوعة. ولا أحد من المسؤولين غير المحترمين سيتوقف عند الأسباب الحقيقية لهذه الأحداث المتلاحقة والمتنقلة، أو يحاول لجم التخطيط المشبوه والمريب في أي منها. المطلوب أن تفرِّخ الميليشيا الأم ميليشيات أصغر تحت إمرتها، بحيث تمون عليها لتنفيذ بعض المهام الجانبية، ولتخفيف وطأة تحملها وحدها وصمة السلاح غير الشرعي. فالمنظومة حريصة ومن دون تهاون على التوازن الدقيق بين حلالها وحرامها.