كتب أسعد بشارة في نداء الوطن:
إنّها طريق طهران، من إيران إلى العراق فسوريا وصولاً إلى الكحالة، التي دفعت بالأمس ثمن الحفاظ على هذا الطريق، آمنا سالكاً للسلاح، على مرأى من الدولة اللبنانية النائمة، حكومة وأجهزة أمنية، ووزراء معنيين.
ليس أغرب من الحادث الدموي، إلا البيان الذي صدر عن «حزب الله» والذي يدين السلاح الميليشياوي في الكحالة. إنّه الشعور الذاتي بأنّ كل شي في لبنان يجب أن يطوع ويدار لمصلحة السلاح، لا بل إنه الشعور الذاتي بأنّ هذا السلاح، هو البداية والنهاية والقدر المحتوم وبأنه وجد ليبقى، بل بأنّه الدولة والمؤسسات والحدود والعلاقات الخارجية، وبأنّه مصنع السياسات، وبأنّه المستقبل المحتوم.
ليس أغرب من الحادث الدموي، إلا إشهار إفلاس الدولة المهترئة، التي لم تنجح في الكحالة، بأن تكون حتى مجرد كاتب عدل يشهد على الأحداث، فكان «حزب الله» هو الآمر الناهي، الذي ينزل على الأرض، والذي يهيئ ويسمح للقوى الشرعية أن تلملم نتائج ما حصل، والذي يصدر بياناً يتهم فيه الكحالة بالحالة الميليشياوية، كأنّه هو الثابت والحقيقة، فيما الآخرون مجموعة من الميليشياويين الخونة الذين يدورون تآمراً حول المقاومة.
إنها لغة انفصالية تتهم الآخرين بالانفصال، وهي لغة من يصنف اللبنانيين شرفاء وخونة، وهي اللغة التي حتّمت أن يصل الشعور بمجموعات كبيرة من اللبنانيين، من شويا إلى خلدة والكحالة، إلى إعلان الطلاق مع الهيمنة والغلبة، وإلى الاقتناع بأنّ الاستمرار بهذا التعايش القسري، بات صعباً للغاية.
يعرف «حزب الله» هذا الواقع جيداً، لكنه ما زال متأكداً من قدرته على تطويع كل هذه المجموعات، كل حسب ما يتطلبه الأمر من وسائل وأغلبها خشنة. بالأمس كانت محاولة للسيطرة على مخيم عين الحلوة، لكنّها لم تنجح، وستتكرر هذه المحاولة في المرحلة المقبلة. وبالأمس سجلت جريمة اغتيال في عين إبل، ستؤكد الأيام المقبلة من التحقيق مسارها، فإذا وضعت في الدرج، تحددت المسؤولية. وبالأمس تمّ عقاب الكحالة لأنّه صادف وجودها في طريق السلاح، وطريق السلاح مقدس، لأنّ طهران يجب أن تغسل رجليها في البحر المتوسط، قرب الناقورة.
يعرف «حزب الله» هذا الواقع جيداً، لكنه لا يأبه للنتائج. سبق له أن خاض حرباً في سوريا، أدت إلى قتل وتشريد الملايين، وفي التجربة اللبنانية سيكون جاهزاً للمزيد من إشعال الفوضى، ولو أدى ذلك إلى التخفف من بعض ما سمي تأييداً أو غطاء مسيحياً أو غير مسيحي.
طريق طهران إلى المتوسط خط أحمر، ممنوع أن تقطع. أمّا إذلال الكحالة وما تعنيه الكحالة، فأمر يدخل في خانة التفاصيل الصغيرة التي سيطويها النسيان.