سلايداتمقالات

عن الكوع والصندوق والدولة الغائبة

كتبت سناء الجاك في نداء الوطن:

أسوأ ما في موقعة كوع الكحالة هو توقيتها. مربكٌ هذا التوقيت في زمانه ومكانه. مربكٌ أكثر لأنّه كشف مدى تقدّم المفاوضات بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل و»حزب الله»، ولأنّه فضح موازين القوى في سير هذه المفاوضات.

فقراءة البيان الصادر عن كتلة «الوفاء للمقاومة»، الذي أدان «التحريض والتعبئة الغبيّة والحاقدة… وفتنة قاصري النظر أو المتورّطين في المشاريع المعادية لمصالح لبنان واللبنانيين»، تظهر أنّ المتورّطين في قاموس «الحزب» هم الأحزاب والقوى المعارضة له، ليبقى أنّ قاصري النظر هم ممن كانوا يصنّفون حلفاء وأصدقاء، لكنّ الطمع أعماهم، فتمرّدوا ولعبوا على الوتر الطائفي، ونسوا المشرقية التي حماها «الشهيد أحمد قصّاص بمشاركته إلى جانب إخوانه المقاومين في الدفاع عن بلدة معلولا وأضاء شمعة أمام كنيستها لتكون مكافأته الاعتداء عليه بالرصاص والقتل من قبل مسلّحين أمام كنيسة الكحالة».

في المقابل، كان واضحاً في بيانات «التيار» ما يبذله من محاولات الإمساك بعصا تداعيات «الحادث المؤسف» من وسطها، في سعي لتنفيس احتقان الشارع المسيحي الذي شيّع فادي بجّاني، وسيعيد نبش قبر الياس الحصروني لكشف ملابسات جريمة قتله في عين إبل، من جهة، ولعدم قطع جسور الوصل التي يمدّها باسيل وبدقّة وحنكة لإنجاز الصفقة مع «حزب الله» من جهة أخرى، ليحظى بصندوق يدرّ عليه ذهباً، ووعد بكرسي بعبدا بعد ستّ سنوات، في مقايضة تحفظ له ماء الوجه.

حقيقة، لا يُحسد باسيل على وضعه وهو يشهد إمكانية نسف كل جهوده، من خلال انزلاق أحلامه على كوع الكحالة، لذا راح يستجدي الرهان على «الوحدة الوطنية» من دون أن يُغفل الإشادة بأهالي الكحالة «المقاومين».

ولذا سارع رأس الهرم المعنوي في «التيار» الرئيس السابق ميشال عون لنجدة صهره الطموح، فغرّد عن نبذ التحريض والاستثمار والفتنة واعتبر أنّ «المطلوب اليوم هو التهدئة بدل التحريض، ومدّ جسور الثقة بدل بثّ سموم الكراهية، وانتظار نتائج التحقيق، داعياً بدوره إلى «الوحدة الوطنية».

بالطبع، مُبرَّرَة دواعي القلق العوني والباسيلي، ذلك أنّه من دون دعم «الحزب» له وحقنه بأمصال السلطة والقوة، لن يكون له أي امتيازات على صعيد النفوذ المطلق الذي تمتّع به واستساغه خلال شهر عسل التفاهم، تذوّق بعد ذلك مرارة انحسار النفوذ، لذا بدأ التحضير للعودة إلى بيت الطاعة، مع مطلب الصندوق، وما يتوقّع أن يدرّه عليه من خيرات، لتأتي موقعة الكوع فترمي بأحلامه في مهبّ الريح.

لكنّ دواعي القلق لدى «حزب الله» يجب أن توضع، بدورها، تحت المجهر، على الرغم من محاولته تجاهلها. فحادث الكحالة امتدّ إلى أبعد من كوعه، وكشف عورة «الحزب الإلهي» ونقطة ضعفه التي تلتهب مع رفض اللبنانيين له، كما أكّد المؤكّد من مصادرته القانون والمؤسّسات في دولة غائبة، ووجَّه علامات استفهام علنية إلى دور الجيش اللبناني الذي لم يتدخّل إلا لحماية سلاح «الحزب» الساقط على كوع الكحالة، من غضب الأهالي الرافضين له، والذين اعتبروا أنّ الحادثة هذه هي فرصة لكشف فوضى السلاح المتفلّت في كل لبنان.

وفي مثل هذه الموقعة حسابات كثيرة تتعلّق بدور «الحزب» في المحور الإيراني. فهو عندما ينكسر في لبنان تهتزّ أركانه في الإقليم. وإذا ما تكرّر الاهتزاز، سواء في بيئته، أم في البيئات اللبنانية الأخرى، حينها يترهّل كما ترهّل غيره من الأحزاب والميليشيات المنبوذة خلال الحرب الأهلية.

وحينها، ربما نبدأ خطوة فعلية وجدية باتجاه خلاص لبنان، وتحديداً إذا تمّ تغليب المصلحة الوطنية على ما عداها، ولمرة واحدة واستثنائية كفيلة باستعادة الدولة الغائبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى