سلايدات

النفط وكل الطاقات

كتب الدكتور لويس حبيقة في إفتتاحية اللواء:

الطاقة بكافة جوانبها هي موضوع الساعة وكل ساعة.  ليست المسألة تقنية وهندسية فقط، وانما أيضا اقتصادية بامتياز.  مواضيع الطاقة معقدة بسبب الفوارق الكبرى بين أنواعها من النواحي التقنية والمالية.  هنالك موجة عالمية مهمة تقول بضرورة الانتقال الى الطاقات النظيفة التي لا تُحدث أي تلوث في الهواء والمياه أي لا تضر بصحة الانسان.  هل الطاقات النظيفة البديلة كافية لتحريك الاقتصاد العالمي؟  هل كل الطاقات المطروحة للاستعمال والتطوير نظيفة فعلا؟ ما هي الجوانب الايجابية لأي طاقة وما هي سلبياتها؟  هنالك ضرورة للمقارنة بين أنواع الطاقة لأن العالم فعلا والرأي العام لا يملك كل المعلومات عن كل الطاقات.  نظافة البيئة مهمة جدا اذا استطعنا كمجتمع دولي أن نحقق نفس النتائج الاقتصادية مع تلوث أقل أو من دون تلوث.
تعتبر المنطقة العربية من أغنى المناطق في العالم من ناحية الطاقة.  من المفروض أن تستطيع الايرادات المتوقعة أن تجعلنا كمنطقة نعيش ببحبوحة ليس الآن فقط بل على المدى الطويل أيضا.  في سنة 2022، بلغ مجموع الفائض المالي للمنطقة العربية 100 مليار دولار وهي مهمة جدا وتحسن أوضاع الجميع اذا استثمرت بعناية في البنية التحتية كما الفوقية.  هنالك فارق بين استثمارات واخرى حتى في نفس القطاع ضمن موضوعي التكلفة والفعالية.  هل نقوم فعلا بدراسة جدوى كل أفكار المشاريع ومقارنة المنافع والتكلفة ضمن معايير الشفافية والفعالية؟  مهما كانت القدرة المالية كبيرة، يجب تجنب التبذير والهدر والقيام بالخيارات الصحيحة حتى غير الشعبية.
سررنا جميعا بوصول الفريق المغربي الى المراحل الأخيرة من بطولة العالم لكرة القدم في قطر. شعرنا بالفرح وبأننا قادرون كمجتمع عربي على تحقيق نتائج جيدة في المنافسات الدولية، مؤخرا في كرة القدم وغدا في منافسات ومناسبات أخرى. جعلتنا النتيجة المغربية المتقدمة نشعر بالثقة والقدرة على التقدم والفوز عندما نقوم بالتحضيرات الكافية المنتجة.  في المنطقة العربية طاقات كبيرة ليس فقط تحت الأرض وانما أيضا فوقها تنتظر المزيد من الرعاية حتى تظهر نتائجها. من ناحية أخرى، هنالك اليوم حرب كبرى في أوكرانيا تطرح موضوع الطاقة علنا وتجعل العالم أجمع يعالج الخلل القائم بين العرض والطلب. بالرغم من الجهود الكبرى للتنويع، أظهرت الحرب أن العالم ما زال يعتمد كثيرا على النفط والغاز للانتاج والاستهلاك.
تعدل مجموعة «OPEC+» انتاجها بين حين وآخر للحفاظ على مصالحها، لكن الدول الصناعية تضغط كي تنتج أكثر لتمكين اقتصاداتها من الاستمرار بتكلفة متدنية.  المواطنون في الدول الصناعية والغنية لا يستطيعون الحفاظ على المستوى المعيشي المريح، وبالتالي ترتفع حدة الصراعات الاجتماعية العنيفة التي نشهدها في الشوارع الغربية.  العنف الحالي لم يكن كذلك سابقا حتى عندما كانت الخلافات موجودة على مواضيع مهمة.  المواطن الغربي كما العالمي غاضب اليوم بسبب الضيق المالي، وبالتالي يتصرف بعنف وكراهية تجاه حكامه.  ان استهلاك الطاقة، عبر أسعارها وكمياتها ونوعيتها، له التأثير الكبير على مستوى السعادة في كل المجتمعات.
أما تنويع مصادر الطاقة فمهم جدا ضمن معايير الفعالية والانتاجية، وهذا ليس محسوما حتى اليوم.  النظافة البيئية هي معيار مهم لكنه ليس الوحيد، وبالتالي هنالك ضياع واضح تجاه ما يجب أن نقوم به كمجتمعات عالمية.  هل يصلح النووي كمصدر للطاقة يؤمن النظافة البيئية والفعالية ضمن القدرات المالية المتوافرة، علما أن حصته العالمية لا تتعدى 5% من الطاقات الأولية؟  فرنسا تقول نعم وتعود للنووي، أما ألمانيا فهي ضد وتقفل ما تبقى من مفاعل لأسباب بيئية وتقنية كما مالية.  ألمانيا خارج الانتاج النووي الذي تعتبره مكلفا وخطرا ومضرا بالصحة على المدى الطويل ومن الصعب ادارة سلامته بشكل دائم وأكيد.  كما أن الولايات المتحدة بين سنتي 2009 و2021 أقفلت 12 محطة نووية للطاقة بسبب التكلفة المرتفعة مقارنة بالمصادر الأخرى. هل هنالك بدائل عملية للنووي؟  تشير الدراسات الى امكانية الاستفادة من الماء والهواء لأنها نظيفة وتكلفتها أدنى من النووي، لكن هل ممكن نشرها في كل الدول حيث الطقس ربما لا يسمح؟
فرضت الحرب الأوكرانية على دول عدة خاصة في أوروبا تنويع مصادر الطاقة لأن الاعتماد على المصدر الروسي لم يعد ممكنا أو مرغوب به.  هنالك اعتماد ايضافي على دول المنطقة للتعويض عن الانتاج الروسي، خاصة وأن تكلفة الانتاج هي من الأدنى عالميا. هنالك مواضيع ثلاثة يجب التنبه لها عندما نقارن مصادر الطاقة:
أولا:  انهيار مصارف عالمية مؤخرا بدأ من كاليفورنيا مع ال SVB أضر بالطاقة لأن هذه المصارف كانت تمول شركات ناشئة واعدة من نواحي الانتاج والتنويع والنظافة في الطاقات البديلة.  المال غير متوافر اليوم كما في السابق لتمويل هذه الحاجات التقنية والمخبرية المهمة.  هنالك أكثر من 1500 شركة طاقة واعدة تنتظر التمويل.
ثانيا: هنالك تقدم علمي واضح من ناحيتي الانشطار النووي Fission كما الانصهار النووي Fusion وهي تعتبر مصادر فاعلة للكهرباء، لكن المطلوب الاستمرار في البحث والتطوير لتصبح ذات تكلفة مقبولة لكل الدول.  هي تتفوق على المصادر الأخرى، لكنها لن تكون متوافرة قبل 2032.  الانصهار هي تقنية أكثر قوة من الانشطار وتعتبر فاعلة أكثر من المصادر الأخرى حتى الشمسية والمائية.  في كل حال العالم ليس جاهزا لها بعد.
ثالثا:  مع البحث الذي يجري عن الطاقات البديلة، لا زال العالم يحتاج الى كميات كبيرة من النفط والغاز وهنالك عودة الى الفحم في بعض المناطق.  ما يجري حاليا هو تطوير وسائل نقل قديمة كالدرجات الهوائية مع تحديث بنيتها التحتية كما تطوير شبكات سكك الحديد داخل الدول وبينها اذ أن الاستثمار فيها ذو جدوى اقتصادية ومالية واجتماعية كبيرة على المدى البعيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى