
كتبت سناء الجاك في نداء الوطن:
منذ لحظته الأولى، كانت خطة «لبنان الممانع» إبقاء القرار 1701 حبراً على ورق. الهدف منه لم يتجاوز وقف إطلاق النار. أمّا باقي البنود في القرار فهي لا تصلح إلا للضعفاء الخاضعين والخائفين من الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا يستطيع انتهاكها إلا الأقوياء فقط، الذين لا يهمّهم موت وطن بكامله ما داموا يواصلون تسلّحهم وفرض هيمنتهم.
وهؤلاء الأقوياء عندما تحايلوا على الدولة واستخدموا جهودها لصدور القرار، ووقف القصف الإسرائيلي المتوحّش على المناطق اللبنانية والبنى التحتية، وذلك بعدما وصلوا إلى مرحلة حرجة تطيح بكل بطولاتهم، ومن ثم استفادوا من كل هذه المساعدات للتعويض على ذوي الضحايا والمتضرّرين الذين تجاوز عددهم الآلاف، ولإعادة إعمار ما دمّرته إسرائيل المهزومة والتي فرضت شروطها على «لبنان الممانع» المصرّ على الاحتفال بالانتصار الإلهي.
ولا ضرر في ذلك، لأنّ المهم تحقّق بغية إبقاء البيئة الحاضنة تحت السيطرة. واليوم لم يتغير شيء، في الأساس لا يزال كل ما لا يوافق مشاريع مصادرة السيادة في «لبنان الممانع» حبراً على ورق، فالدستور نصوص جوفاء لا تستوجب الالتزام بها، والوثائق الصادرة عن جلسات حوار يشارك فيها «حزب الله» هي كدسة أوراق يمكن بلّها وشرب مائها، والقوانين وجهة نظر والقضاء إن لم يكن لخدمة «لبنان الممانع» يمكن قبعه، وليس بالتي هي أحسن، والاغتيالات المتواصلة محتقر حتى التعليق عليها وتحميلها أكثر من حجمها.
الهدف كان وسيبقى تكريس «لبنان الممانع» الذي يعتبر أنّ مؤامرة تستهدفه من خلال المطالبة باستعادة وطن ودولة ومؤسسات وسيادة فعلية وعدالة. فهذا الكلام الفارغ والانهزامي لا يعني من قريب أو بعيد الأقوياء المستخفين بكل الضغوط التي تقوم بها الولايات المتحدة وإسرائيل فقط لمداراة ضعفهما وتقهقرهما. لذا عمدا إلى الضغط في لبنان وإحياء الدواعش في سوريا. لكنهما سيزولان وسيركعان في نهاية الأمر، وسيزول معهما الحلفاء الخاضعون لإرادتهما النجسة… هكذا تقول أمثولة الممانعة. صحيح أنّ الاتفاق بين رأس الممانعة وهؤلاء الحلفاء فيه ما يربك الأذرع، أو لنقل إنه يربك الذراع الأقوى وصاحب التجربة الأنجح، ويكبّل الحركة ويهذِّب اللغة قسراً. ولكن الذراع لن تعدم حيلة ووسيلة لتواجه التحديات والتغيرات والتطورات الإقليمية، ما يفرض استنباط أفعال من هنا وهناك، تارة بالمباشر وطوراً بالتلميح، لتصل الرسائل إلى حيث يجب، لذا سمعنا صوتاً ممانعاً يتحدث باستفزاز وتهديد عن احتمال عودة المسيّرات انطلاقاً من اليمن «إلى بلد ما» ومن دون تحديد. ولذا الإصرار على ربط السلاح غير الشرعي بمفهوم المقاومة، مع أنّ الأحداث المتعاقبة تؤكد أنّ الفصل بين السلاح والمقاومة بات ضرورة وطنية، إذ لا علاقة للأول بالثاني من قريب أو بعيد. ومنذ صدور القرار 1701، تحوّل هذا السلاح إلى أداة قمع في الداخل واضحة المواصفات، وأداة اعتداء خارج الحدود، ليس بمواجهة إسرائيل أو لمصلحة لبنان، ولكن لمصلحة الاحتلال الإيراني فقط لا غير.
لذا، ليس مهماً ما سيصدر عن مجلس الأمن بعد أيام، المهم أنّ الانتصار بات حاضراً ومعلباً، وهو قهر الولايات المتحدة وإسرائيل، بعدما تم تجهيز فتوى المواجهة المبررة لقوة دولية «تعمل عند الإسرائيلي وعناصرها جواسيس له، وحيث لا تستطيع كاميرا التجسّس أن تصل، المطلوب أن تقوم بذلك كاميرات اليونيفيل». والمهم أنّ التغني المرتقب بهذا الإنجاز سيشكل وسيلة قمع جديدة يواجه بها «لبنان الممانع» رفض اللبنانيين له، ولكن مع إغفال حقيقة لا لبس فيها وهي أنّ ربط وجوده وسلاحه بمفهوم «المقاومة» لتبرير الاحتفاظ به لمنحه شرعية مزيفة، صار بدوره حبراً على ورق.