سلايداتمقالات

لقاء المختارة بين الراعي وجنبلاط وملاحظات مراقب من بعيد

كتب ناصر زيدان في الأنباء:

لقاء المختارة الذي جمع البطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط بحضور شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى والرئيس الجديد للحزب تيمور جنبلاط وفعاليات سياسية ودينية مختلفة، كان حافلا بالرسائل وفي كل الاتجاهات، وبرغم أهمية محطات الراعي وشيخ العقل المشتركة التي شملت مقر أبي المنى في بلدة شانية ومطرانية بيت الدين التي تحتفظ برمزية تاريخية والمكتبة الوطنية في بعقلين، إلا أن جمعة المختارة والكلام المختصر الذي قيل فيها، كان لها وقع سياسي وتاريخي مميز.

حاول متضررون احتساب زيارة الراعي من ضمن جولات رعوية يقوم بها دوريا، كما حاولت المختارة تقليص عدد المدعوين الى الغداء مراعاة للأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين، او ربما لأسباب أخرى، لكن كل ذلك لم يؤثر على الأهمية السياسية للحدث، وهو لقاء مكرر ومصغر عن مصالحة تاريخية حصلت في ذات المكان بين البطريرك الراحل نصر الله صفير ووليد جنبلاط بحضور عشرات الآلاف من الوجهاء والمواطنين من مختلف أطياف الجبل وقواه قبل 21 عاما، وتحت شجرة السرو المعمرة ذاتها، لكن السروة «الرمز» شاخت بعض الشيء وتساقطت غالبية أوراقها، لكن المكان لم يتأثر، وبقي القصر ذا خصوصية وملتقى تاريخيا جامعا، يحافظ عليه ويحميه جنبلاط الأب والابن كما قال الراعي في كلمته.

لقاء المختارة ليس تجديدا لثنائية مارونية – درزية، كما حاول البعض الإيحاء اليه، ولا هو اتفاق جبلي موجه ضد سياسة الثنائي الشيعي كما قال البعض الآخر. لكنه بطبيعة الحال يحمل رسائل سياسية كبيرة، من دون أن تكون هذه الرسائل بفعل متعمد من المعنيين. ومن هذه الرسائل إبراز أهمية تلاقي قوى او طوائف لا يمكن تجاهلها في الخيارات الكبرى، بصرف النظر عن موازين القوى المحلية والنيابية او عن حجم التدخلات الإقليمية والدولية، وحضور ممثل عن مفتي الجمهورية وممثل عن رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بدعوة من المنظمين وأصحاب الدار، يخفي رغبة واضحة بالحرص على التلاقي والشراكة، وعلى وحدة اللبنانيين كخيار لابديل عنه، وينفي وجود أي صفقة بين الفريقين المعنيين في الجبل.

جنبلاط وبملاحظاته التي عنونها بصفته «مراقب من بعيد» أشهر امتعاضه من كامل الأجواء المحيطة، انطلاقا من خلفيات وطنية لبنانية صرفة، وهو انتقد القوى الخارجية التي تظهر الاهتمام بلبنان ولا تترجم هذا الاهتمام بالفعل، وخص بالانتقاد الأميركيين والإيرانيين، ولم يوفر القوى المحلية على اختلافها من اللوم، عندما أشار الى خطورة خطاب نبش القبور، وإلى غباء الذين يشجعون على إطالة الفراغ والذين يرفضون الحوار، وكلامه يطال حلفاءه وأخصامه على السواء. وهناك إشارات أخرى بانت في تلاوين لوحة مشهد اللقاء، وفيها رسائل، ربما تكون مقصودة، وربما تكون عن غير قصد، وطالت البيئة الجبلية والحاضنة الدرزية، والتوليفات الحزبية على اختلافها.

لقاء المختارة الذي حصل في 8 سبتمبر حرك بعض الركود المسيطر على الساحة السياسية، وهو ترافق مع مساع مستجدة للاتفاق على مرشح مقبول من الجميع لرئاسة الجمهورية، وقائد الجيش العماد جوزاف عون قد يكون صاحب الحظ الأوفر، لكن المفاجأة في اللقاء كان عدم إشارة البطريرك الراعي الى موضوع الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بينما كان الراعي قد أيد هذا الحوار في خطبته في الأسبوع الفائت، وتركيزه في خطاباته في الجبل على التعاون وعلى أهمية المصالحة والمصارحة بين اللبنانيين، لا تعوض تغييبه للموقف المتقدم الذي كان قد اتخذه.

زيارة الراعي الى الجبل أعطت زخما للتعاون القائم بين أبناء الجبل على اختلاف انتماءاتهم، وأكدت على ثقته الواسعة بمرجعيات الموحدين الدروز السياسية والدينية. ومواكبة نواب القوات اللبنانية، كما نواب التيار الوطني الحر لها، أعطاها بعدا سياسيا كبيرا، برغم أن هذه المواكبة فرضت على خطابات البطريرك وعلى بعض جوانب الزيارة، قيودا سياسية كبيرة أيضا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى