كتب منير الربيع في المدن:
بالقدر الذي يمكن من خلاله وضع أهداف وأسباب استراتيجية، وجيوستراتيجية ربما، للاشتباكات الدائرة في مخيم عين الحلوة منذ أيام، وعلى جولات متتالية.. بقدر ما يمكن تسخيف أسباب الاشتباكات وإحالتها إلى صراعات النفوذ والفوضى وغياب القرار، والاستدلال على الأزمة العميقة التي تعيشها الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية.
فتبدو الجهتان وكأنهما في حالة شيخوخة قاتلة، شارفت على الانتهاء، من دون ظهور أي ملامح للبدائل، سوى لقوى تحاول فرض نفسها كأمر واقع وسط غياب أي مشروع أو رؤية. تنفجر الساحة الفلسطينية داخل فلسطين وداخل لبنان، بعدما انفجرت ساحات عربية أخرى، في العراق، سوريا، ولبنان.
ويشهد أكبر مخيم فلسطيني في لبنان عملية تدمير منظمة، وعملية تهجير، تحاكي عمليات التهجير التي شهدتها مخيمات فلسطينية أخرى، أبرزها مخيم اليرموك في سوريا.
ضرب السلطتين اللبنانية والفلسطينية
في الداخل الفلسطيني، الصراع مستمر بين السلطة وفصائل وتيارات أخرى، في ظل الإصرار الفلسطيني على مقاومة الاحتلال. وفي موازاة العمليات المقاومة التي يقوم بها الشبان الفلسطينيون، ثمة من يعمل على تفريغها من مضمونها بالتصارع السياسي والأمني. وهو ما يأخذ المجريات إلى أبعاد استراتيجية، كمثل التفسير الذي يقول إن السلطة الفلسطينية تسعى إلى ضرب قوة حركتي حماس والجهاد، فيما آخرون يتهمون الجهاد وحماس بانهما يريدان تقويض السلطة والسيطرة على الأرض في الضفة الغربية ورام الله ومخيم جنين، بعد سيطرتهما على قطاع غزة.
يذهب آخرون أبعد من ذلك، في تفسير السعي للسيطرة على أرض الواقع، بغية قطع الطريق على أي محاولة تطبيع إسرائيلية سعودية بالتفاوض مع السلطة الفلسطينية. وبالتالي، استباق أي خطوة من هذا النوع لتفجير الشارع الفلسطيني لحظة حصولها، والخروج في تظاهرات منددة من شأنها إعاقة موافقة السلطة على ما يحدث.
وما يجري في الداخل، ينطبق على ما يجري في لبنان أيضاً، من خلال اللجوء إلى أدوات تقليدية في قراءة التطورات، واعتبار أن ما يحصل يهدف إلى تطويق حركة فتح ومنظمة التحرير لصالح القوى الإسلامية، التي يفترض أن تمسك في زمام الوقائع على الأرض، للخروج في تظاهرات منددة لأي اتفاق إسرائيلي عربي جديد، وضمن استراتيجية وحدة الساحات وتوحيدها.
فوضى ومجتمعات نازحة
يمكن تركيب الكثير من الأفكار حول الأهداف المراد تحقيقها من اشتباكات عين الحلوة، فيما نتيجته البسيطة والمباشرة هو الدخول في الفوضى بطريقة متدرجة، وسط غياب أي قدرة لدى أي طرف على الحسم، فلا القوى المتقاتلة قادرة على حسم المعركة، ولا الحكومة قادرة على الحسم سياسياً، ولا حتى الجيش اللبناني في وارد الدخول والتورط بمعركة طويلة واستنزافية في ظل هذه الظروف، ما سيعكس الكثير من التخلخل في أساس ومرتكزات بناء كان يسمّى دولة.
حتى مشهد نصب الخيم في محيط ملعب صيدا البلدي، ينطوي على اللاقرار واللاوضوح. إذ جرى تبادل الاتهامات حول الجهة التي تبنت إنشاء الخيم. فيما يمكن غزل أهداف كبرى حولها، باعتبارها خطوة من شأنها أن تحوّل اللاجئين الفلسطينيين إلى نازحين، وإضاعة حق اللجوء، لا سيما أن ذلك لا ينفصل عن تراجع نسبة المساعدات التي تضطلع بها الجهات المانحة، وتخفيض نسبة الدعم للأنروا التي تعاني أيضاً من تخلخل، فيما مدارسها ومؤسساتها خاضعة لسيطرة قوى مسلحة.
يمكن للمشهد أيضاً أن يدفع الفلسطينيين إلى مغادرة لبنان هرباً، وركوباً للبحر. وآخرون قد ينفخون في نار أزمة اللجوء وتطابقها مع السوريين بعد الفلسطينيين ما يجعل الساحة اللبنانية جاهزة للانفجار في أي لحظة، أو ما سيجعل لبنان قابلاً للتفكك في أي لحظة بعد التحلل والفوضى.