كتب رفيق خوري في نداء الوطن:
طريق الفخاخ الرئاسية لا يزال طويلاً. ولا أحد يعرف، وإن تصرّف كثيرون كأنهم يعرفون، متى وكيف يصبح الطريق الى قصر بعبدا سالكاً وآمناً. فالأطراف الداخلية أخرجت نفسها من القرار بالإصرار على اعتبار الرئاسة معركة فاصلة وحاسمة، مع أننا في صراع طويل ومعقد ومفتوح على صراعات خارجية أكبر، ولا مجال لحسمه بمعركة واحدة او بموقف واحد، مهما يكن الرابح في معركة الرئاسة. بعض هذه الأطراف حريص على بقاء الفخاخ وحراستها. وبعضها الآخر عاجز عن نزع الفخاخ والأطراف الخارجية التي تضع لبنان ضمن اهتماماتها، تنظر الى الأزمات والتسويات فيه كنقطة في صراع جيوسياسي على خارطة واسعة.
ومن خداع النفس، بعدما صار خداع الآخرين مهمة مستحيلة، إلقاء الفشل على عاتق الموفد الرئاسي الفرنسي. فمن فشل في التوصل الى التفاهم ليس جان إيف لودريان المخضرم بل الأطراف المحلية. ومن يدفع ثمن الفشل ليس الفرنسيون و»الخماسية» العربية والدولية بل لبنان واللبنانيون. ما صدم لودريان ليس عمق الخلاف بين القوى المحلية على انتخاب الرئيس بل التلاقي على تحمل الفراغ والإنهيار مهما طال الطريق والزمن. وهو أيضاً ما دفع «الخماسية» الى توحيد الموقف بعد تباين في الآراء والمصالح.
ومن المفارقات ان يكون صندوق النقد الدولي اكثر حرصاً على مساعدة لبنان وترتيب إتفاق نهائي معه من التركيبة السياسية الحاكمة والمتحكمة. بعثة الصندوق حاولت تخفيف القسوة في توصيف حالنا وما فشل المسؤولون في القيام به من إصلاحات لا بد منها. والمسؤولون أصروا على تغطية الحقيقة الكارثية المكشوفة والملموسة والمؤثرة في حياة كل مواطن ومودع، باستثناء النافذين الذي أثروا من الكارثة وحوّلوا ما سرقوه الى الخارج.
ذلك أن ما قيل لنا تكراراً من كل الذين نراهن على أدوارهم هو ان بدء التعافي يمر حكماً بمحطتين إجباريتين: إنتخاب رئيس للجمهورية بجمع اللبنانيين ويحظى بثقة العرب والعالم، وإتفاق مع صندوق النقد الدولي في اطار إصلاحات إقتصادية ومالية محددة. وما حدث عملياً هو الدوران في الفراغ والأزمات هرباً من المحطتين. طرفان قطعا الطريق على الإتفاق مع صندوق النقد: طرف يرفض التعاون مع الصندوق من زاوية إيديولوجية ويراه مجرد «أداة أميركية» للهيمنة. وطرف حليف له يفاوض الصندوق ويوحي انه يريد إتفاقاً معه، لكن مصالحه الضيقة والفئوية تتضرر من الإصلاحات المطلوبة ولذلك يسد الطريق اليها بممارسة الألعاب البهلوانية في مجلس الوزراء والمجلس النيابي. أما الطرف الذي يلعب دور الفريق القوي ويصر على تعطيل الجلسات الإنتخابية بعد الدورة الأولى منذ عام، فإنه يتهم سواه بالتعطيل بحجة أنه لا يسلّم له بما يريد.
وكل ما لدينا هو الإنتظار الذي لا يصح في لبنان القول الكلاسيكي عنه أنه «أفضل مستشار». إنتظار مواعيد، سواء كانت لها علاقة بلبنان او لا. وإنتظار تطورات تبدأ في الشرق الأوسط ولا تنتهي في أفريقيا وأوروبا والشرق الأقصى. وكلما انتهى رهان على موعد، إنتقل الى موعد آخر. من الإتفاق السعودي-الإيراني الى التفاوض الأميركي-الإيراني على الإتفاق النووي. ومن حرب أوكرانيا الروسية-الأطلسية الى الصراع الأميركي- الصيني على العالم، لا تايوان فقط. ومن لقاء البابا فرنسيس والرئيس ماكرون الى مواعيد الخريف في الأمم المتحدة.
في الكتاب المقدس: «تعرفون الحق والحق يحرركم». وفي لبنان معرفة الحقيقة تمنع الحل.