كتب أحمد الغز في إفتتاحية اللواء:
تحولات كبرى تجتاح العالم والمنطقة ما بعد اوكرانيا وبالتزامن مع تحديات وجودية كالوباء وتلوث المناخ والطاقة البديلة وارتفاع حرارة الكوكب وذوبان جبال الجليد والطوفان والزلازل والجفاء والامطار والسيول والاعاصير، والتحالفات والاحلاف والصواريخ واسلحة الدمار والتخصيب النووي، وتحولات اقتصادية وصعود دول وتراجع دول وتجمعات قارية وصناعية وتوازنات متعددة الاقطاب، واضواء وصحوة افريقية بعد عقود من العتمة والاستبداد.
التحولات اليوم تشبه تداعيات سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي حيث كان العالم غير مستعد لاحتواء التحولات، مما احدث فوضى وارتباكا في توازنات قيادة القرية الكونية مما ادى الى تحولات وتداعيات ما بعد سقوط البرجين، ومع منارات الثورات التكنولوجية اصبح الكبار تحت رقابة الصغار بعد ان حلت التنافسية التجارية مكان القيم الليبرالية الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية، وتلك التحولات تسببت في منطقتنا في صعود موجات الخصوصيات الارتدادية ومظاهر احياء الأنساب والاعراق والاصوليات بعد ان فقدت تيارات الحداثة كل اسباب وادوات وجودها.
التحولات الكثيفة التي نشهدها اليوم تحتم على الكبار والصغار الدخول في حالة من الاستنفار الوجودي الشامل بحيث اصبحت مواجهة تحديات الزلازل والاعاصير اسهل بكثير من مواجهة بديهيات التحولات الفكرية والمعرفية مع الذكاء الصناعي مما يحتم وضع المكونات السلطوية في الدولة الوطنية الفاشلة تحت الرقابة الشديدة قبل ان تفقد الكيانات المركبة كل اسباب وجودها بما هي من نتاج تحولات وتسويات الحروب العالمية، وبعد ان اصبح معظم مكوناتها البشرية مشردين في خيم النزوح واللجوء او في ضواحي موجات الهجرة الانتحارية الوافدة من مجتمعات النزاعات والتحولات الوجودية.
التحولات في المنطقة تتجاوز موضوعات الصراعات المعهودة بين الاحتلالات والمقاومات والنظم الاستبدادية وموجات الحريات، فالمنطقة اليوم بدون اي نظام مناعة بعد تشظي الهويات الوطنية الى دينية ومذهبية وعرقية وقبلية وذلك نتيجة فشل التجارب السياسية الوطنية والقومية والاممية واليمينية واليسارية التي رافقت التحولات الفكرية الكبرى ما بعد الثورة الصناعية والتقابل بين افكار الرأسمالية الديموقراطية والاشتراكية والشيوعيه، والتي تحولت الى تقابلات استعمارية مقنعة وحولت الحروب الساخنة الى حروب باردة ادت الى تدمير الوعي البشري وتجلياته الفكرية والمعرفية الانسانية.
التحولات الوطنية في زمن الذكاء الصناعي تحتاج الى عقول باردة قادرة على حماية الاجيال الصاعدة من سياسات الخفة والارتجال والمصالح الشخصية الضيقة لدى المكونات السلطوية اللبنانية، عقول باردة قادرة على تعزيز الخصوصية الوطنية وتحديد المقدرات الذاتية والشخصية وحماية الاجيال من الانخراط في متاهات التحالفات والخصومات والمصالحات، ولبنان بحاجة الى نخبة قادرة على تهيب الاغتيالات السياسية والفكرية القادمة وحماية النخبة القادرة على مراجعة التحولات التاريخية وتداعياتها على الانسان والكيان في لبنان،كما حدث قبل تسعة عشر عاما ٢٠٠٤ بعد جريمة محاولة اغتيال النائب والوزير والاعلامي الاستاذ مروان حمادة (الانسان) والذي يصادف يوم غد الاحد في الاول من تشرين الاول ٢٠٢٣، و تلك الجريمة كانت المحطة الاولى في مسار التداعيات والتحولات الكارثية التي اشاعت الرعب والضياع والخواء في لبنان منذ ١٤ شباط ٢٠٠٥ مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري الشخصية الوطنية الاستثنائية التي احبت كل الناس ونهضت بكل لبنان، وما تبعه من اغتيالات واصطفافات اعادت عقارب الزمن الى الوراء وحولت لبنان من واحة الشراكة الوطنية والتألق والنجاح الى بؤرة من الفشل والفساد وتقطع الاوصال، ومهما تعاظمت التحولات والاغتيالات سيبقى الانسان اغلى ما في لبنان، وحفظ الله لبنان.