كتب رامي الريس في نداء الوطن:
لا مفرّ من تفعيل الحكومة وتنشيطها، بمعزل عمّا إذا كانت حكومة تصريف أعمال أم مستقيلة. هذا الرأي لن يعجب بطبيعة الحال أولئك الجهابذة في الدستور الذين لا يغادرون الشاشات ويفقهون بكل أحكام الدستور (مع الاحترام لعدد منهم حتماً كي لا «يروح الصالح في عزاء الطالح!»).
تفعيل الحكومة يبدو كأنّه الحل الوحيد المتاح راهناً على ضوء التعقيدات المحليّة والمراوحة في الاتصالات الإقليمية والدوليّة، أقلّه في هذه اللحظة الحساسة التي نعيشها والتي تشهد فيها المنطقة تحوّلات كبيرة وجوهريّة.
«التطبيع» العربي مع النظام السوري وصل إلى حائط مسدود، وهو كان متسرّعاً وقدّم هدية مجانية للنظام الذي غالباً ما لا يقدّم في المقابل أيّ تنازلات مجانيّة، بما فيها صناعة الكبتاغون والتجارة بها وقد أصبحت ورقة تفاوض مهمة يمتلكها بعدما فقد الكثير من أوراق القوة السابقة التي كان يتحكم بها في فترات نفوذه القوي خصوصاً في حقبة الأسد الأب.
كما أنّ مسارات التفاهم السعودي-الإيراني بدورها تبدو متعثرة والبرهان المؤشرات المتناقضة تماماً الواردة من اليمن التي كان من المفترض أن تكون حقل اختبار النوايا الحقيقي خصوصاً للطرف الإيراني الذي يدعم الفصيل الحوثي ويدفعه نحو المزيد من التشدد في العمق حتى ولو قدّم خطوات شكليّة مثل زيارة الرياض في الآونة الأخيرة.
لقد كان التحدي الأساسي منذ البداية معرفة ما إذا كانت الرعاية الصينيّة سوف تستكمل متابعتها حتى تحقيق الأهداف المرجوة من التفاهم، وأن تمارس الضغط المطلوب على الطرفين حين يتقاعس أي منهما لإحداث الخرق المنتظر في ملفات المنطقة المعقدة، وبما يُسجّل في الوقت ذاته انتصاراً ديبلوماسيّاً صينيّاً مهماً يبعث برسالة إلى المجتمع الدولي أن بكين غادرت مربع الديبلوماسيّة الهادئة والباردة نحو الديبلوماسيّة النشطة والفاعلة.
إنطلاقاً من كل ذلك، وعطفاً على الانكفاء المحسوب لبعض البلدان العربيّة عن القضيّة اللبنانيّة وتعقيداتها المملة، بات واضحاً أنّ مسألة الرئاسة صارت مرتبطة بما هو أعمق منها وأنّ الأطراف اللبنانيّة القويّة بدأت تسرّب إلى الإعلام اللبناني وغير اللبناني ما يُمكن أن يُسمّى بأنّه «دوحة 2»، تيمّناً بإتفاق الدوحة الذي عُقد في العام 2008 عقب أحداث السابع من أيّار وتم التوصل بموجبه إلى سلّة سياسيّة متكاملة.
ولقد أتاح الاتفاق في الممارسة (ولو لم يذكر علناً في النصوص) للقوى المتصارعة أن تمارس حق النقض، وأن تطالب بالثلث المعطل وكرّس مقاربة التعطيل المؤسساتي عوض أن يعزّز مقاربة المشاركة. وأدّت هذه الممارسة الشاذة إلى تشويه الاتفاق المرجعي والأساسي، اتفاق الطائف، الذي لم يُطبّق بالكامل لا سيّما في ما يخص البنود الاصلاحيّة المنتظرة والتي من شأن اعتمادها تغيير مرتكزات الحياة الوطنيّة والسياسيّة اللبنانيّة.
لعل تراجع الثنائي عن فكرة الحوار المحدد زماناً وبنوداً ومضموناً التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر عقب تعثرها ورفضها من قبل الأطراف الأخرى، بات يُمهّد الطريق لتبني طروحات أكثر راديكاليّة تتجاوز مسألة الخلاف على رئاسة الجمهوريّة وتنحو في اتجاه نقاشات سوف تصيب الصيغة القائمة حالياً التي تبقى «منضبطة» بشكل أو بآخر بسقوف هامة، مثل عروبة لبنان ونهائيته والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين والتوزيع الطائفي للمراكز السياسيّة والدستوريّة العليا في الدولة.
كل ذلك قد يصبح آيلاً إلى السقوط في لحظة ما يصبح فيها الجلوس حول طاولة الحوار بمثابة مشكلة، والامتناع عن المشاركة في الحوار مشكلة أكبر. عندئذٍ، قد تتجدّد الأساليب «غير التقليديّة» و»الساخنة» لقلب الطاولة بشكل مباشر أو غير مباشر. «الترانسفير» السوري المستجد إلى لبنان قد يكون أحد تلك الأساليب!