كتب بشارة شربل في إفتتاحية نداء الوطن:
لا يمكن إدراج «طوفان الأقصى» إلا ضمن الأعمال الخارقة والردّ المشروع على الاستباحة الإسرائيلية المتمادية لحقوق الشعب الفلسطيني. وإذا كانت واشنطن و»المجتمع الدولي» يعتبران اقتحام مستوطنات غلاف غزة عدواناً، فلأنهما تعوَّدا الرؤية بعين واحدة حين يتعلق الأمر بارتكابات إسرائيل. أما دعوة بكين وموسكو الى «وقف النار»، فليست سوى صياغة دبلوماسية خبيثة لمساواتهما بين القاتل والقتيل.
لا تأتي عملية 7 أكتوبر من فراغ، وليست عملاً حربياً عادياً تُساجِل فيه حركة «حماس» عدوَّها بالنار. هي إنجاز استراتيجي غير مسبوق، محسوب في توقيته السياسي، ومتموضع في إطاره الإقليمي، وسيكون من السذاجة عدم ضمِّه الى استراتيجية طهران، وأحد أهدافها اليوم عرقلة قطار تطبيع العلاقات المنطلق بثبات بين المملكة العربية السعودية والدولة العبرية.
كانت «حماس» تدرك حتماً أنها، في مقابل مكاسبها الكثيرة من عمليتها الضخمة، ستدفع أثماناً مضاعفة، وسيدفع الشعب الفلسطيني في غزة وربما في الضفة دماً ودماراً هائلين. لكنها الحرب، يخطط لها القادة بعقول باردة، ثم تتوزع النعوش والنياشين، قبل حسابات الخسائر والأرباح.
الحرب في بدايتها، ومفتوحة على كل الاحتمالات. يمكن أن تنتهي بانتصار تعلنه «حماس» على غرار انتصار «حزب الله» في حرب تموز 2006، مثلما يمكن أن تصير «الحركة الإسلامية» جزءاً من ركام غزة، أو مشلولة تحتاج الى سنوات عديدة لإعادة بناء القدرات. غير أن الحرب ستبعد أي أمل ضئيل في السلام، وستصيب حتماً نتانياهو الذي لن يفلت من لجان تحقيق واتهامات بالتقصير، ومحمود عباس الواقف أصلاً على حبل رفيع.
سيُبنى على مآل الحرب مقتضاه في ما يخصّ «اتفاقات أبراهام» التي لم تخفِ إيران رفضها لها، من مرشدها الى أذرعها، لكنّ تلك الاتفاقات خيار خليجي استراتيجي يصعب أن يُلغى تحت وطأة الضغط الشعبوي والإيديولوجي، خصوصاً أنّ الدافع إليه في الأساس ليس «الغرام» بإسرائيل ولا إنكار طبيعتها العدوانية، بل الخطر الإيراني على دول الخليج، وإثبات طهران بالملموس سعيها الى الهيمنة والتدخل في شؤون جيرانها ونسيج دولهم الاجتماعي، ناهيك بنشر الصواريخ على حدود المملكة السعودية، وزرع عدم الاستقرار في كل بلد حظيت عاصمته بـ»بركة» الحرس الثوري.
يهمنا في لبنان، ونحن في أسوأ وضع سياسي ومالي وخدماتي، أن ننأى عن الاستدراج الى أي صراع عسكري، وأن يبقى توتر مزارع شبعا في إطار «الرسائل» المدروسة. نتضامن مع غزة لأنها تنتفض لكرامتها وتخوض معركتها على أرضها، لكن يُستحسن أن يتوقف سياسيونا عن المزايدات الفارغة على وسائل التواصل، مشجعين على التضحية بأبناء الآخرين… ويكفينا ما فينا.
نعلم أنّ الدولة غير موجودة، لكن واجب ما تبقّى من سلطة شرعية وقوى سياسية واجتماعية وقيادات روحية إعلان أنّ قرار الحرب والسلم ليس حقاً حصرياً مهما كثرت الصواريخ والقدرات، وأنّ «وحدة الساحات» عسكرياً ستكون مغامرة حزب وطائفة فقط، وليس خيار دولة وأكثرية شعب حقُّه في أن يحتمي بمؤسساته الدستورية ويتجنّب تكرار التدمير وسفك الدماء.