كتب موفق حرب في أساس ميديا:
قد يتوهم البعض أنّ الدعم الغربي غير المسبوق بقيادة الولايات المتحدة لإسرائيل في عملياتها الهجومية العسكرية ضد قطاع غزّة، يمكن أن يتحول إلى ضغط عليها من أجل العمل على تغيير الواقع الفلسطيني والقبول جدياً بحلّ الدولتين، بغياب قيادة ذات مصداقية في إسرائيل تستطيع أن تقنع الإسرائيليين بأنّ مصلحتهم تقضي بإعطاء الفلسطينيين دولة بعد “طوفان الأقصى”.
دروس كثيرة بعد غزّة
العواصم الغربية التي كانت تتمنى وفي بعض الأحيان تحذّر إسرائيل من عواقب الاستمرار بسياسة الاستيطان وبأنّ الحصار على الفلسطينيين سيؤدّي إلى المزيد من العنف والتأزيم، لم تقدم على أي محاولة جديّة لثني إسرائيل عن معاملتها السيئة للفلسطينيين ووقف الاستيطان، خصوصاً بعد تشكيل حكومة اليمين الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل.
سيكون هناك دروس كثيرة يتعلمها الأفرقاء المعنيون في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد أحداث 7 أكتوبر، وأهمها أنّه بعد التجاهل السابق لقضية فلسطين، لم يعد الوقت متاحاً الآن لحل هذا الصراع لأنّ الجرح المفتوح يمكن أن يتفاقم. لم يكن الموضوع الفلسطيني والشرق الأوسط على جدول أولويات معظم الرؤساء الأميركيين وحاولوا تجنّبه، لكنهم وجدوا أنفسهم غارقين بمحاولة إطفاء الحرائق في المنطقة. الرئيس السابق جورج دبليو بوش جاء بعد انغماس سلفه بيل كلينتون بمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين انتهت بفشل محادثات كامب ديفيد، لكنه سرعان ما وجد نفسه يقود حروباً في أفغانستان والعراق بعد هجمات 11 أيلول.
لذا، قد يكون من المبكر الآن الحديث عن أي مسار سلمي في ظل العمليات العسكرية الراهنة، لكن الجميع يدرك ضرورة إيجاد مسار سياسي لمرحلة ما بعد الانتقام الإسرائيلي. وأي مسار يعمل على الانتقال إلى مرحلة جديدة في المنطقة يتطلب أن تكون الدولة الفلسطينية الموعودة جزءاً منه. فمنذ انطلاق مسار أوسلو وسلسلة المفاوضات التي تلته كان موضوع الدولة الفلسطينية من الأمور الشائكة بسبب رفض إسرائيل القبول به. لذلك تمّ تأجيل البحث في مستقبل الدولة لمرحلة ما كان يعرف بمفاوضات المرحلة النهائية التي تشمل القدس وحجم الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي وحق العودة. عدم الالتزام الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية كان يبرَّر بأنّ إسرائيل تريد مرحلة انتقالية لمعرفة طبيعة هذه الدولة وللتأكد من أنّ الدولة الموعودة لن تكون منطلقاً لشن عمليات عليها، فكان التعويض عن ذلك يقضي بالذهاب إلى مراحل انتقالية وإنشاء سلطة فلسطينية وُضعت تحت الاختبار.
هل انتهى خيار الدولتين؟
اليوم وبعد ما حصل في غزّة، سيكون من الصعب على أي زعيم إسرائيلي تسويق حلّ الدولتين لدى الرأي العام الإسرائيلي وإقناع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالتخفيف من الحصار والتدابير الأمنية المذلة للفلسطينيين. سيتعاظم الحديث عن حل الدولتين لكن الواقع الامني والسياسي قد يجعلان هذا الحل أبعد من أي وقت مضى بغياب مساعٍ جدية مقرونة بأفعال. الموقف الأميركي كان قد تطور في ما يخص الدولة الفلسطينية، والرئيس السابق كلينتون كان أول من ذكر الدولة الفلسطينية في مقابلة أجريتها معه بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد نشرت في جريدة الحياة، وإعلان واشنطن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس. ردّ على سؤالي بأنّ واشنطن اتخذت قراراً أحادياً في ما يخص القدس فيما هي تدعو الطرفين إلى عدم اتخاذ أي خطوات أحادية قد تؤثر في نتيجة مفاوضات قضايا المرحلة النهائية، أجاب بأنه يأمل أن يدشن سفارة الولايات المتحدة في دولة فلسطين في الوقت نفسه.
الرؤساء الاميركيون بعده التزموا الموقف الرسمي بضرورة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولكن هذا الالتزام يبقى قيد الموافقة الإسرائيلية، قيما الدول الغربية غير مستعدة للضغط على إسرائيل على الرغم من اعترافها بأنّ الاستمرار بسياسة توسيع الاستيطان والحصار يشكلان أهم العقبات لتحقيق السلام في المنطقة. وحتى اليوم لم تلتزم إسرائيل بمبدأ الدولة الفلسطينية، وهناك أصوات ما تزال تطالب بترحيل الفلسطينيين وتصدير الأزمة الفلسطينية إلى الدول العربية المجاورة. لا أحد يعرف الوقت الذي سيستغرقه قادة إسرائيل قبل الوصول إلى قناعة إسحاق رابين بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى بضرورة إعطاء الفلسطينيين كيانهم وإدارة شؤونهم خصوصاً انه هو الذي قاد قمع الانتفاضة حين كان وزيرا للدفاع. اليمين الإسرائيلي وتحديداً نتانياهو سيدفع ثمناً سياسياً لفضيحة الفشل الأمني والعسكري قبيل هجمات 7 أكتوبر (تشرين الاول). لكن مستقبل الدولة والقبول الإسرائيلي به سيكونان مرتبطين بالقيادة الإسرائيلية الجديدة التي ستنتج بعد أحداث غزة.
أشار الرئيس بايدن في مناسبتين إلى ما قالته له غولدا مائير حين زار إسرائيل وكان عضواً شاباً في مجلس الشيوخ: “لا تقلق، لدينا نحن اليهود سلاح سرّي في معركتنا: ليس لدينا مكان آخر للذهاب إليه”.
واضح ان منطق غولدا مائير ترك أثراً واضحاً في وجدان بايدن يمكن استعماله في السياق الفلسطيني. إنّ رفض الفلسطينيين ترك منازلهم في غزة وكل الأفكار المطروحة من انتقال، وتوطين، وإيجاد وطن بديل، والإصرار على أن ّالفلسطينيين أيضاً لا يوجد مكان لهم للذهاب إليه قد يكون السلاح الاقوى الذي يمتلكونه اليوم لإقناع العالم بأنّ الدولة حق وليست فقط تمنّياً ومجرّد تصريحات.