غير مصنف

نتانياهو: نهاية رجل سيّئ السمعة

كتب أمين قمورية في أساس ميديا:

السحر انقلب على الساحر.
لطالما برع “الآكروبات” بنيامين نتانياهو في اللعب على حبال كثيرة. مناور كبير، قدرته على تغيير الحقائق والخداع لا تضاهى. لديه قدرة فائقة على جمع التناقضات والتملّص من القيود المغلقة بإحكام. لا يعرف المحرّمات ولا التابوهات. كلّ شيء مباح من أجل البقاء في السلطة. أحسن إخراج الأرانب من قبّعته في اللحظات الحرجة. يروي عطشه للسلطة بالحيلة حيناً والدم أحياناً. لم يكتفِ بسفك أرواح الفلسطينيين، بل كان المحرّض الأبرز على قتل سلفه إسحق رابين. وبدل من أن يدخل السجن، تربّع على عرش مملكة الدمار الشامل 16 سنة. تجاوز بذلك كلّ من سبقوه بمن فيهم مؤسّسو الكيان وقادة الحرب الكبار أمثال ديفيد بن غوريون وغولدا مائير ومناحيم بيغن.
احترف القفز على الحواجز والتمسّك بنسج تحالفات غير مبدئية وجذب عتاة المتطرّفين والمتزمّتين قومياً ودينياً. لم تردعه لائحة طويلة من الاتّهامات بالفساد والرشى وسوء الأمانة. كان ينجو دائماً من الحساب مثلما نجا مرّة من الموت من رصاصة المناضلة تيريز هلسا التي أصابته بيده أثناء مشاركته في إحباط عملية خطف “الجبهة الشعبية” لطائرة الركاب “سابينا” في مطار اللد عام 1972. هذه الحادثة بنت شهرته ثمّ أكملها بمقتل شقيقه جوناثان في عملية مطار عنتيبي في أوغندا بعد أربع سنوات.

قبل أن يتوقّف العدوان أشارت استطلاعات الرأي العامّ الإسرائيلي إلى فقدان نتانياهو وائتلافه الحكومي ثقة الإسرائيليين، وإلى انخفاض شعبيته وشعبية حزبه “الليكود”

 

إنّها غزّة يا نتانياهو
تحسّب لكلّ شيء إلا لغزّة، هذا الشريط الضيّق من الأرض المكابر والمعاند والمكتنز بالألغام. ظنّ أنّه بشنّ حرب كاسحة عليها عقاباً لها عمّا فعلته في 7 أكتوبر/ تشرين الأول سيفلت بريشه مرّة أخرى، ويتمكّن من البقاء “ملكاً لإسرائيل”. أيّاً تكن نتائج هذه الحرب فلسطينياً أو إسرائيلياً، الأكيد أنّه سيكون الخاسر الأكبر. بعد الحرب لن تبقى إسرائيل هي هي، بل سيحتدم الصراع بين الصهيونية الدينية والصهيونية الليبرالية. هو ليس الخيار الأفضل لقيادة أيّ منهما. هذا الصراع بين التيّارين سيحدّد شكل الدولة الإسرائيلية الثالثة، فإمّا تعود إلى شكلها الأول حين كانت صهيونية ليبرالية، وإمّا ينتصر التيار الديني والقومي المتطرّف وتكون له السيادة المطلقة.
التيار الأوّل يدعو إلى إدارة الصراع العربي الإسرائيلي. أمّا التيار الثاني فيدعو إلى حسمه. بيبي يخطّط لذلك من خلال تنفيذ اتفاقات أبراهام والسلام الاقتصادي مع تثبيت حدود إسرائيل الكبرى بين النهر والبحر. ويدعم إبقاء دور السلطة الفلسطينية كوكيل وكشرطي لحماية كيانه والتحمّل عنه عبء احتلاله. هذا الموقف يعارضه حزب الصهيونية الدينية بكلّ مركّباته. الممثّل الأبرز لهذا التيار وزير المال بتسلئيل سموتريتش يرى أنّ الحسم يكون بإعلان السيادة الإسرائيلية على كلّ الضفة الغربية وحلّ السلطة الفلسطينية، ومن يرفض ذلك عليه أن يهاجر، ومن لا يقبل بهذا وذاك سيحسم الصراع معه عسكرياً. وعن مصير عرب الـ1948 يلوّح سموتريتش بنكبة ثانية.

الرحيل هو الطريق الوحيد
بين الخيارين الليبرالي والديني لا مكان لالتباس نتانياهو. فقبل أن يتوقّف العدوان أشارت استطلاعات الرأي العامّ الإسرائيلي إلى فقدان نتانياهو وائتلافه الحكومي ثقة الإسرائيليين، وإلى انخفاض شعبيته وشعبية حزبه “الليكود”. وبدا واضحاً أنّ الرحيل بات طريقه الوحيد. هو لا يخشى من تراجع شعبية “الليكود”، بل من تدهور أسهمه داخل حزبه والأنصار، ذلك أنّ أكثر من ثلث ناخبي الحزب يريدون إبداله بشخصية أخرى، وصار وزراؤه والنواب ينتقدونه علناً ويطالبونه بتحمّل مسؤولية الفشل. وإذا ما أُرغمت إسرائيل على وقف العدوان على غزة قبل “القضاء على حماس”، فستكون في انتظاره اتّهامات بأنّه الفاشل الذي هزمته غزة. وزير أمنه يوآف غالانت يشحذ السكاكين لإطلاق هذه التهم. وبني غانتس المدعوم أميركياً والذي يتقدّم في استطلاعات الرأي، ينتظره خلف الباب على أمل أن يكون الرابح الأكبر.
في ظلّ استمرار القتال والتصعيد، لا يمكن إجراء انتخابات مبكرة لاختيار كنيست جديدة تأتي برئيس جديد للوزراء بدلاً من نتانياهو. لكن يمكن إجراء تصويت في البرلمان الحالي على حجب الثقة عنه شخصياً والاستعاضة عنه بقيادي آخر من “الليكود” أكبر الأحزاب الإسرائيلية. هذا الاحتمال يحتاج إلى 15 نائباً على الأقلّ من الحزب ويحتاج إلى “فدائي” يقبل بمهمّة رئاسة الحكومة مؤقّتاً في هذا الوقت الحرج. ومن الأسماء المطروحة لخلافته رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين، ووزير الزراعة آفي ديختر، ووزير الاقتصاد نير بركات. وهم بالمناسبة أشدّ سوءاً منه ونزقاً.
الإفلات من الطوق فنّ يتقنه بيبي بمهارة. يعتقد أنّ فرصته الوحيدة للهرب والنجاة تكون بتصعيد الحرب على غزة لتحقيق مكسب عسكري يعوّض “كارثة” غلاف غزة. وبحشره في الزاوية الصعبة قد ينقلب إلى قطّ شرس. لكنّ مخالبه ليست له، واستعماله لها رهن بإشارة من أودعه إيّاها، أي القرار الأميركي. المشكلة أنّ من سيرثه سيكون أشدّ لعنة منه، سواء أكان الليبرالي الحاقد بني غانتس، أو الثنائي القومي المتطرّف النزق سموتريتش ورفيقه إيتامار بن غفير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى