كتب أسعد بشارة في نداء الوطن:
بكل وضوح، يرفض «حزب الله» التفاوض على ترسيم الحدود البرية، في انتظار ما سيحصل في غزة، التي تتعرض لحرب مستمرة منذ حوالى الـ70 يوماً، بما يؤكد أن السلاح، لم يعد مرتبطاً بذريعة تحرير الأرض والدفاع عن لبنان، وإلا لكان رحب من يعلنون هدف تحرير الأرض، بعرض موفد الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين، الذي حمله في زيارته الأخيرة إلى بيروت، من ضمن سلة تشمل تطبيق القرار 1701، والانسحاب من مزارع شبعا تمهيداً لترسيمها.
تعود الأحداث بالذكرى، إلى محطات مضت كانت كافية لأخذ العبرة واستخلاص ما لا تأويل فيه. مرحلة فتح لاند قبل اندلاع الحرب في العام 1975، كانت مرحلة تشريع السلاح الفلسطيني خارج الدولة، أما في جمهورية الطائف، فقد وحدت إيران وسوريا مهام السلاح، وتم حصره بـ»حزب الله»، الذي خاض مقاومة لتحرير الأرض، ما لبثت أن اصطدمت بالاختبار الأول، أي ما سمي بـ»جزين أولاً»، حيث قررت اسرائيل الانسحاب، لكن ويا للمفارقة، لاقى هذا الانسحاب استياءً من «الحزب» وإيران وسوريا، وتمّ التعامل معه وكأنه فخ اسرائيلي، ومنع الجيش من الانتشار في المنطقة.
الاختبار الثاني، كان قرار حكومة رفيق الحريري بإرسال الجيش إلى الجنوب، وهو القرار الذي عارضه قائد الجيش يومها إميل لحود، باسم سوريا و»الحزب»، فكانت مكافأته انتخابه رئيساً للجمهورية، أما العذر القبيح، فهو رفض تحويل الجيش إلى حرس لحدود اسرائيل.
الاختبار الذي يجري اليوم، لا يقل وضوحاً عن سابقاته من الاختبارات. هناك عرض أميركي بترسيم الحدود، وإعطاء لبنان حقه في النقاط المتحفظ عليها، والانسحاب من شبعا، وفي المقابل هناك رفض من «الحزب» لتحرير الأرض، كي تبقى شبعا الشماعة التي عليها يتم تعليق سلاح وحدة الساحات، التي تحولت إلى وحدة على المنابر، بعد أن ترك الممانعون غزة وحيدة تحت رحمة الحرب.
إذا أردنا توسيع بيكار الاختبارات، يمكن ضم الجولان المحتل إلى اللائحة، فالنظام السوري امتنع عن توقيع اتفاق مع اسرائيل يتم بموجبه إعادة الجولان بشكل شبه كامل لسوريا، كل ذلك لتأبيد معادلة الصراع الذي لا ينتهي مع العدو، الذي يملي اسكات كل الأصوات المطالبة بالحرية والديموقراطية والنمو الاقتصادي ودولة القانون، وإعلاء صوت واحد هو صوت المعركة التي لن تقع لا اليوم ولا غداً.
فضحت الحرب في غزة محور وحدة الساحات، وكشفت أنّ وجهته الأساسية ليست خوض حرب مع اسرائيل، بل توسيع رقعة نفوذ إيران، عبر السيطرة على مفاصل الدول العربية، وتفكيكها عبر بناء ميليشيات المقاومة، وهذا ما سيبقي الدول الخاضعة لهذا المحور وفي طليعتها لبنان، في ثلاجة التاريخ.