كتب عماد مرمل في الجمهورية:
تؤشّر العلامات الظاهرة الى انّ احتمال الحرب الشاملة بات يتقدّم على مساعي الاحتواء، ومع ذلك هناك مَن هو مطمئن الى انّ الكيان الاسرائيلي مردوع، ليس من باب كرم الأخلاق، وإنما لأنه يدرك ما الذي ينتظره في لبنان.
بعد مرور اكثر من 100 يوم على انخراط «حزب الله» في معركة إسناد غزة عبر الجبهة الجنوبية، أوحى خطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله في ذكرى استشهاد القيادي الميداني وسام طويل، وكأنّ الحزب لا يزال في «نضارة» الأيام الأولى من المواجهة لجهة مستوى الزخم والاندفاع والاقتناع والإصرار، إنما من دون التخلي في الوقت نفسه عن الحسابات الدقيقة والتوازن المرسوم بين إسناد غزة وتفهم وضع لبنان.
لكن حرص «السيّد» على حماية هذا التوازن والعمل به، لم يمنعه من تكرار تأكيد جهوزية «الحزب» التامة لخوض الحرب الشاملة والإقبال عليها بلا ضوابط، اذا فرضها الاحتلال الإسرائيلي عليه، مختصراً المعادلة على طريقته بالقول: «يا اهلا ومرحبا بالحرب».
ولعل واحدة من نقاط القوة لدى «حزب الله»، والتي تعرفها تل أبيب جيداً، هي انه لا يخشى الذهاب إلى المنازلة الكبرى، اذا وقعت، وإن يكن ليس في وارد ان يكون البادئ فيها او المبادر اليها حتى إشعار آخر.
وخلافاً للمخاوف التي سادت بعض الاوساط، فإنّ المطلعين يلفتون الى ان اعلان «السيّد» المتجدّد عن الاستعداد لخوض المواجهة الواسعة وتدفيع العدو ثمنها، إنما يرمي الى إبعادها وليس تقريبها. وبالتالي فإنّ النبرة المرتفعة التي استخدمها في معرض الرد على مختلف أشكال التهديد والتهويل تندرج اساسا ضمن سياق ردع العدو عن التفكير في اعتماد الخيار العسكري ضد المقاومة ولبنان، وثَني الأميركي عن إمكان تغطية اي خيار من هذا النوع.
وغالب الظن ان حكومة الكيان والولايات المتحدة ستكونان مضطرّتين الى الاخذ في الحسبان، عند تقدير الموقف في شمال فلسطين المحتلة، تحذيرات «السيد» وتنبيهاته الصريحة خصوصاً انه من المعروف انّ اعداءه يصدقونه ويتعاطون مع ما يصدر عنه بجدية.
ويؤكد العارفون ان اللهجة المرتفعة للسيد نصرالله في اطلالته الاخيرة كانت موجهة بالدرجة الأولى إلى الاميركيين، في اعتبار انهم هم الذين تولوا عبر الموفد آموس هوكشتاين نقل أحدث رسالة تحذير الى بيروت مما يخطط له الاسرائيليون.
وتفيد المعلومات ان هوكشتاين ابلغَ الى المسؤولين اللبنانيين انّ بإمكان واشنطن تأخير الضربة الإسرائيلية وليس منعها، وانّ المطلوب الاستفادة مما تبقى من فرصة للحل السياسي، بغية السماح باستعادة الهدوء على جانبي الحدود وبالتالي إعادة النازحين من أهالي الجنوب ومستوطني الشمال الى منازلهم.
ويلفت القريبون من الحزب إلى أنّ واشنطن بَدت وكأنها انتقلت في دورها من مرحلة الترغيب التي تخللها تقديم «حوافز» للبنان والحزب تتصل بالواقع الحدودي بهدف تحقيق وَقف إطلاق النار، الى مرحلة الترهيب عبر التخويف والترويج لاحتمال حصول عملية عسكرية اسرائيلية واسعة في حال لم يتم التجاوب مع مطالب قادة الاحتلال.
امام هذا التصاعد في إيقاع الموقف الأميركي، قرر «السيد» ان يرد على طرح هوكشتاين برسالة مضادة فحواها التمسّك بقاعدة ان «لا تهدئة على الحدود مع فلسطين المحتلة قبل توقّف العدوان على غزة»، مهما لَوّح قادة الكيان بالحرب الواسعة، مُبيناً انّ الحزب جاهز لها ولا يخشى مواجهة جيش الاحتلال الخائب والمهزوم.
وبذلك اراد «السيد» ان يمنع اي بازار او مساومات لفصل «العروق» التي تربط بين قطاع غزة وجبهة الجنوب، تحت ستار قنبلة دخانية هي التهدئة ورجوع النازحين وصولاً الى تصويب النقاش مجدداً في اتجاه «ثابتة» إنهاء الحرب على الشعب الفلسطيني كممر إلزامي ووحيد لوقف إطلاق النار في الجنوب، بعيداً من اي عروض جانبية ترمي الى تحييد قوة الحزب العسكرية وإخراجها من الميدان.
ويعتبر المحيطون بـ»الحزب» انّ تهديدات مسؤولي الكيان هي للتهويل فقط «وهم كرروها عشرات المرات منذ 8 تشرين الاول، من دون أن يتجرأوا على تنفيذها، لأنهم أدرى من غيرهم بالقدرات التي تملكها المقاومة، ولذلك اعتمدوا خيار «تفخيخ» الموفدين الدوليين الى لبنان بالتهديدات التي تؤشّر إلى العجز اكثر من اي شيء آخر، وإلّا لكانوا قد شنّوا الحرب فعلياً من دون الاكتفاء بالتلويح بها مرة تلو الأخرى».
وعَكَس «السيّد» في مواقفه الأخيرة التصميم على مواصلة دعم غزة عسكريا، من دون أن يتسرب اي شعور بالتعب او القلق بعد 100 يوم من المواجهات غير الكلاسيكية مع الاحتلال الإسرائيلي بكل ما رافقها من أثمان. وبذلك، أوحى «الحزب» أنه لن يصرخ أولاً في معركة «عض الاصابع» ونزاع الإرادات، وانّ لدى مقاومته وبيئته الاستعداد للاستمرار في المواجهة وتحمّل اعبائها مهما طال أمدها.