كتب أسعد بشارة في نداء الوطن:
لا يوجد تفسير مُقنع لقيام إيران بضرب أهداف داخل باكستان. القصف الصاروخي الإيراني على أربيل يمكن فهمه من زوايا عدة، وإعطاؤه مبررات عدة، أولها أنّ البلد المقصوف، عاجز عن الرد أو لا يريد الرد، وآخرها أنّه بهذا القصف، يمكن ادعاء إصابة مقر تجسسي للموساد الإسرائيلي، من دون التعرض للمساءلة ولا للحساب، إلا على طريقة وزير الخارجية العراقي الذي قال في ردّ معبر إنّ إيران قصفت العراق لأنّها عاجزة عن قصف إسرائيل.
أياً تكن أسباب الرد الإيراني على تفجير مقام قاسم سليماني، فهي تعكس تخبّطاً لم يسجل في سجل الجمهورية الإسلامية، الذي يحفل بالمحطات والقرارات البراغماتية، التي أبقت إيران بعيدة عن التعرّض لأي حرب أو مواجهة مباشرة، منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وإلى الأمس القريب.
هذا التخبّط الذي أدخل إيران في مواجهة مع باكستان، استدعى الرد السريع، وهو مرشح لأن يستمر، على وقع الهروب الإيراني من حرب غزة، الذي ترجم على شكل توترات محدودة أشعلتها ايران، في لبنان والعراق واليمن، ووضعت لها ضوابط الصبر الاستراتيجي، كي لا تعرّض نفسها لمواجهة مباشرة مع أميركا وإسرائيل، وهي نجحت إلى الآن بالحفاظ على موقع لها في الخانة الآمنة، لكن مع تسجيل مخاطر عالية، قد تحوّل التسخين الإيراني للمنطقة إلى مرحلة متطورة من المواجهة.
إنّه الهروب الكبير من حرب غزة، الذي كشف كل استراتيجية ايران في المنطقة، القائمة على تسمين الأذرع، في موسم الأضاحي والاستثمارات التي لا تنتهي، ومثال غزة سيكون خير نموذج عما زرعته إيران في المنطقة، وما تستعد لحصاده، إذا ما حجزت لنفسها مقعداً على طاولة التفاوض مع العم سام.
لعل السؤال الذي يفترض بغزة، وعلى وجه التحديد بحركة «حماس» أن تسأله، بعد القصف الصاروخي الإيراني لباكستان وأربيل: ألم يكن بمقدور إيران وهي قائدة وحدة الساحات بما فيها غزة، أن تترجم دعمها اللفظي، ببعض الصواريخ باتجاه تل أبيب؟ أم أنّ القوة العسكرية الايرانية مرتبطة حصراً بحسابات الدفاع عن إيران، من دون سائر أذرع المحور؟
وإذا ما طوّرت غزة هذا السؤال، إلى أكثر من مجرد الاستغراب، فهل يمكن لها أن تسأل عن سبب تشجيع طهران، لسائر قوى المحور كي تفتح جبهاتها بوتيرة أو بأخرى، في حين أن إيران تمتنع حتى عن مجرد التهديد بإغلاق المضائق، التي هي في متناول اليد، كمضيق هرمز، في وقت تدفع بالحوثيين إلى حرب حول خليج باب المندب، ستزيد من الفقر والفوضى والدمار في اليمن.
في لبنان تتفرج طهران على الجبهة المضبوطة، على وقع سقوط المزيد من الخسائر، وفي العراق توظّف «الحشد الشعبي» كي يهز استقرار العراق، ثم تقصف أربيل. أمّا في باكستان، فلغة القوة اصطدمت بلغة القوة، ما سيعيد إيران على حدودها الشرقية، إلى معادلتها السحرية المرادفة للهروب: الصبر الاستراتيجي.