كتب محمد سلام في هنا لبنان:
هل أولوية لبنان تتلخص باختيار رئيس للجمهورية ينهي الشغور في قمة هرم الدولة أم في وقف الحرب بين العدو الإسرائيلي وحزب الإحتلال الفارسي التي تقرع طبولها على أرضه وتهدد بتدمير ما تبقى مما يسمى دولة، أم في قضاء يُحتكم إليه ليحكم بالعدل وينصف المظلوم ويعاقب الظالم؟
مع احترامنا للمتفائلين بأن دول الخماسية المهتمة بالشأن اللبناني ستحسم موضوع الرئاسة خلال شهر، تكشف الحقائق أنّ الخلاف بين أعضاء الخماسية يسقط أولوية الرئاسة إلى ما دون الصفر قياساً إلى أولوية حسم مسألة التعاطي مع الحرب التي تنتشر توقعات إرتداداتها في الجسد اللبناني كالفطر وتهدد إذا تصاعدت بإشعال الشرق العربي كله.
ألغيت جولة سفراء الخماسية على المسؤولين اللبنانيين لسبب لم يُعلن عنه رسمياً. فيما استقبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري على حدة كلاً من سفيري المملكة العربية السعودية ومصر.
إستقبال بري للسفير السعودي وليد البخاري لم يصدر عنه بيان تفصيلي بإستثناء التأكيد على أنه “تم عرض للأوضاع العامة والمستجدات السياسية والعلاقات الثنائية بين البلدين.”
أما سفير مصر علاء موسى فقال بعد لقاء رئيس السلطة التشريعية “تناولنا مجمل الأوضاع في المنطقة وما يحدث من تطورات وتأثيرها وتفاعلها على المنطقة وعلى دولها، خاصة على مصر ولبنان، وقد استمعت إلى تقييمات دولته ورؤيته للمستقبل وطرحت عليه أيضاً تقييمنا. وتناولنا أيضاً مسألة الشغور الرئاسي ودور اللجنة الخماسية وخارطة عملها في المستقبل وتبادلنا الآراء حول هذا الأمر وكلها، بإذن الله سوف تؤدي إلى أشياء إيجابية سوف تظهر في المستقبل القريب، إن شاء الله”.
وأضاف موسى: “من طبيعة الأمور أنّ أي دولة في العالم يجب أن يكون لها رئيس وفي الظروف المشددة والحرجة يُتطلب أكثر من هذا الأمر، وبالتالي نحن نرى أن ما يحصل في المنطقة وما يواجهه لبنان ودول المنطقة من تحديات يستوجب الإسراع في إتمام هذا الإستحقاق وهو إنتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن”.
ولكن كيف سيتم إختيار الرئيس؟
فرنسا تريد التوافق على خيار ثالث، أي استبعاد مرشحها سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون، لكنها تبقى على خيار التوافق الذي لا يذكره الدستور اللبناني وترفضه المعارضة التي تصر على “إنتخاب” رئيس بدورات متتالية من دون المحاصصة والتوافق على “عراب رئاسي” كما تفعل عصابات الجريمة المنظمة المعروفة بالمافيا.
أميركا ترفض التوافق على خيار ثالث، وتصر على إنتخابات دستورية بكل ما للكلمة من معنى بدورات متتالية من دون التوافق على مرشح ثالث أو رابع ، أو غيره.
الدول العربية، مصر والسعودية وقطر، تفضل صيغة التوافق لأنها اعتادت على معادلة تتيح لها الإتفاق مع شخص على محاصصة معينة، ومن ثم تكريسه رئيساً، لكن هذا لا يعني بأنّ ما كان هو ما سيكون، وهو ما يُستشف من ملاحظة وليد جنبلاط الغامضة على حسابه الخاص عبر منصة “إكس: “الخماسية الرئاسية.. المهم الدوزنة”.
لكن النائب قاسم هاشم، عضو كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها بري، كان واضحاً فأعلن أن “مرشحنا الوحيد لرئاسة الجمهورية هو سليمان فرنجية إذ لم يُبحث بعد في التخلّي أو عدمه وإنّنا نختار وفق المعايير إذ حتى اللجنة الخماسية لم تدخل في الأسماء بل في المعايير”.
بغض النظر عن محاولة فك شيفرة التناقض بين وضوح النائب قاسم هاشم المقصود وغموض دوزنة جنبلاط المتعمدة، يقفز ترشح سليمان فرنجية الرئاسي من قصور السياسة إلى قصر العدل على خلفية قرار القاضي صبوح سليمان وقف تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق وزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس من قبل المحقق العدلي بتفجير مرفأ بيروت طارق البيطار والتي فهمت في القاموس السياسي على أنها محاولة للحفاظ على حظوظ فرنجية الرئاسية كون فنيانوس عضواً في تيار المردة الذي يرأسه.
أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت نفذوا اعتصاماً أمام قصر العدل احتجاجاً على قرار القاضي سليمان وقف تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية بحق فنيانوس في ملف المرفأ.
واعتبر وليم نون، شقيق شهيد فوج الإطفاء جو نون، أنّ تفريغ الملف من الموقوفين هو “نوع من الوقاحة” وشدد على أنّ مسار إخفاء الحقيقة “لن ينفع”.
وبينما كانت إحتجاجات أهالي شهداء تفجير المرفأ تتصاعد وتتخذ مساراً بعضه غير لائق خارج أبواب قصر العدل في بيروت دخل القاضي سليمان فجأة إلى قاعة المباحث الجنائية التي كانت تحقق مع الصحافي الإستقصائي رياض طوق بتهم القدح والذم والتشهير بالقاضي سليمان ثم بدأ هو التحقيق مع طوق علماً بأنه أحد طرفي النزاع والمعروف أنّ أي طرف نزاع لا يحق له التحقيق فيه وفق ما ذكرته صحيفة المدن الإلكترونية.
وكان قاضي التحقيق الأول في تفجير مرفأ بيروت فادي صوان، الذي كفّت محكمة التمييز الجزائية في لبنان يده عن التحقيقات في قضية انفجار المرفأ المروع بإعتباره طرفاً في النزاع لتفادي سجال حول حصانة وزراء سابقين كان قد إدعى عليهم، قد إدعى على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، هم وزير المالية السابق علي حسن خليل ووزيري الأشغال السابقين غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، إلا أن أحداً منهم لم يمثل أمامه في جلسات حدّدها لاستجوابهم كـ”مدعى عليهم”.
وتفادياً للخلاف حول حصانة الوزراء المتهمين كُفت يد صوان عن التحقيق في تفجير المرفأ بحجة أن شقته كانت قد تضررت بالإنفجار فاعتبر طرفاً في القضية وبالتالي لا يحق له التحقيق فيها.
وبعد نهاية جلسة التحقيق مع الزميل طوق أحيل المحضر إلى النيابة العامة في بيروت لإتخاذ القرار المناسب، ما يبقي سيلاً من الأسئلة مطروحاً:
أمام أي محكمة سيمثل الزميل طوق، علماً بأن قانون الإعلام ينص صراحة على أن مقاضاة الإعلاميين في قضايا متعلقة بالنشر هو من صلاحية محكمة المطبوعات حصراً؟
السؤالً أيضاً: من سيحقق مع الزميل طوق؟
السؤال أيضاً وأيضاً: هل سيحاكم الزميل طوق حراً أم موقوفاً؟
المسألة تتجاوز الأبعاد السياسية لرئاسة فرنجية وتبرئة فنيانوس ومقاضاة طوق لتصب في صلب التفجير المزدوج لمرفأ بيروت في 4 آب 2020 الذي قتل أكثر من 218 شخصاً وجرح أكثر من 7 آلاف شخص وأنزل أضراراً بـ 50 ألف وحدة سكنية وشرد نحو 3 آلاف شخص وما زال سرّه دفيناً لأن من نفذه لا يستطيع المفاخرة بما ارتكبه نظراً لفداحة نتائجه، ومن تضرر منه لا يستطيع أن يعلن أنه ضحيته لأن وجوده تسبب بالكارثة.