كتب غادة حلاوي في نداء الوطن:
لا أحد يعرف معنى الحرب التي يشهدها جنوب لبنان إلّا من قصده. أصوات مسيّرات وطائرات لا تغادر فضاء القرى والبلدات والدخان ينبعث بعد الغارات من الوديان والتلال على امتداد البلدات والقرى المحاذية للحدود. هناك تتضاعف الهموم خشية عدوان إسرائيلي وشيك، وحزن عميق على الشهداء الذين يسقطون في أرض المعركة. همس كثير ومخاوف من خرق استخباراتي وأمني على أرض وطأتها أقدام الغرباء فاستباحتها، منذ بداية العدوان الإسرائيلي.
لـ»حزب الله» روايته الأمنية والعسكرية لسير المعركة ولسقوط شهدائه. وباستثناء استهداف المسؤول الفلسطيني صالح العاروري في عمق الضاحية الجنوبية، فإنّ كل شهدائه سقطوا في أرض المعركة «إما لدى عودتهم من تنفيذ عملية عسكرية أو في طريقهم لتنفيذها». عدم التزام العاروري الإجراءات الأمنية التي أحيط بها كانت سبباً في استهدافه. سبق وتلقى نصائح بعدم التواجد في المكان حيث استهدف، وبإلغاء اجتماع كان مقرراً في اليوم ذاته، وأكثر من ذلك فقد استخدم الحضور هواتفهم الخليوية ما سهّل عملية تتبعهم.
أمّا في ما يتعلق بدقة الأهداف جنوباً وسقوط عدد كبير من العناصر في صفوف «الحزب»، فقد اختلف الوضع اليوم عما كان عليه يوم بدأت الحرب. يعترف «حزب الله» أنّه صار أكثر انكشافاً في السنوات الأخيرة، بعد مشاركته في الحرب في سوريا التي كانت مفتوحة على كل أنواع المخابرات، وتشابك عمليات التجسس، ما سهّل عملية جمع المعلومات، فضلاً عن تساهل البعض في التعامل انطلاقاً من وجود قواعد اشتباك، وظنّه أنّ اسرائيل لن تردّ على أي استهداف يطالها.
بدّل «حزب الله» استراتيجية تعامله العسكري، حتى سكان المناطق الحدودية يتخذون اجراءات احترازية، تفادياً لأساليب اسرائيل وتطورها الاستخباراتي والتكنولوجي بشكل يعيق عمليات استهدافه. لكل حرب ثمن و»الحزب» يدفعه غالياً وسيستمر. ذلك أنّ قراءته لا تشي بنهاية قريبة للحرب الدائرة في الجنوب ربطاً بالحرب على غزة. الحل لم ينضج بعد وخطواته الجديدة لم تتوضح، لكن في قناعته أنّه لولا الحرب الإستباقية التي يخوضها إنطلاقاً من جنوب لبنان لكانت صواريخ اسرائيل وصلت الى بيروت. حسب المعطيات التي توافرت لديه فإنّ رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو كان يعتزم تجاوز حربه على غزة وشن حرب على لبنان لتحقيق مكسب عسكري، لكن حربه في غزة منعته من تحقيق مبتغاه، فضلاً عن الضغوط الدولية.
أدّت الحرب التي يخوضها «حزب الله» غرضها بالحدّ من الحرب جغرافياً، لكنّها لم تجعل لبنان في منأى عن توسعها، لذلك أعلن أقصى درجات الجهوزية والاستعداد لأي عمل عسكري إسرائيلي غير مستبعد، ولو كانت نسب حصوله غير مرتفعة. فمؤشراته تقول إنّ اسرائيل ستمتنع عن خوض الحرب، وإنّ التهديدات بشنها يقع في سياق الضغط عليه لقبول تسوية حيال القرار 1701 وإخراج قوات «الرضوان» الى بعد 7 كيلومترات من الحدود، ونشر الجيش اللبناني أو قوات الطوارئ بعد تعديل صلاحياتها، وتطمين المستوطنين وحضهم على العودة. أما في الواقع العسكري فإنّ اسرائيل ليست جاهزة للحرب. لا تستهين بتهديدات «حزب الله» الذي لم يستخدم كامل قدراته العسكرية والقتالية بعد، ولعلمها أنّ عواقب الحرب ستكون وخيمة عليها، وأنّ الحرب على غزة تختلف عن الحرب على لبنان، حيث الإمتداد والعمق الأوسع لأي جبهة من لبنان الى سوريا فالعراق، ناهيك عن رد فعل الإقليم الرافض توسع الحرب ومثله الأميركي، وإن كان شريكاً في خوضها.
ما تشهده ساحة الجنوب يجعل «حزب الله» أكثر إصراراً على بلوغ تسوية لمصلحته ولمصلحة الفلسطينيين في غزة. هذه المرة تختلف عن سابقاتها. فالحرب هذه المرة لن تكون نزهة للإسرائيلي حسب قوله. قد تجرّ معها دماراً هائلاً، لكنها ستضع مصير إسرائيل على المحك. الثمن الذي يدفعه «حزب الله» يجعله لا يلتفت إلا لساحة معركته بعيداً عن أي ضجيج سياسي.