كتب محمد قواص في أساس ميديا:
“التحوّل التكتيكي العرَضيّ” في سياسة واشنطن ولندن اتجاه الحوثيين في اليمن، هدفه معالجة التهديدات ضدّ الملاحة الدولية في البحر الأحمر. لكنّه لن يغيّر القرار السعودي الخليجي الاستراتيجي، باعتماد الوسائل الدبلوماسية للجنوح “نحو السلم” في اليمن ومع الحوثيين بالذات.
هذا ما يخلص إليه مصدر سعودي خلال محادثة خاصّة، وهو أكّد لي أنّ الرياض لم تتأثّر بانقلاب موقف الولايات المتحدة وبريطانيا ضدّ جماعة الحوثي إثر هجمات البلدين على مواقع الجماعة في اليمن.
“التحوّل التكتيكي العرَضيّ” في سياسة واشنطن ولندن اتجاه الحوثيين في اليمن، هدفه معالجة التهديدات ضدّ الملاحة الدولية في البحر الأحمر. لكنّه لن يغيّر القرار السعودي الخليجي الاستراتيجي، باعتماد الوسائل الدبلوماسية للجنوح “نحو السلم” في اليمن
ضدّ عسكرة البحر الأحمر
تعتبر المملكة أنّ أمن البحر الأحمر وطبيعة العلاقة مع اليمن هما متن التفكير الاستراتيجي السعودي وجزء من مسار الجغرافيا وحكاية التاريخ في المنطقة. ويستنتج محدِّثي أنّ الرياض تخلّت نهائياً عن خيار الحرب وانتقلت إلى طور آخر في قراءة المشهدين الإقليمي والدولي. ويلفت إلى أنّ مستقبل المنطقة بات جزءاً بنيويّاً من رؤية السعودية لراهنها ومستقبلها، وأنّ حديث وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في تشرين الأول 2018 عن أنّ “الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة” يعني أنّ الهمّ الإقليمي بات أساسيّاً، وربّما غالباً في الأولويّة السعودية وشرطاً بنيويّاً لمستقبل المملكة.
يضيف محدّثي أنّ السعودية اعتمدت موقفاً “محايداً” حتى إنّها أعربت عن تحفّظ يكاد يكون معارضاً للعسكرة التي تفرضها الولايات المتحدة على البحر الأحمر. يضيف أنّه، وفق هذا المسار، ليس مستغرباً أنّ السعودية والإمارات ومصر وبلداناً إقليمية أساسية رفضت الانضمام إلى تحالف “حارس الازدهار” الذي أنشأته واشنطن في كانون الأول الماضي في البحر الأحمر، لافتاً إلى “قلق من التصعيد في البحر الأحمر” أعرب عنه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في 21 من الشهر الجاري تعليقاً على الغارات الأميركية البريطانية ضدّ الحوثيين في اليمن.
صلابة الاتّفاق مع إيران
يلفت المصدر إلى صلابة الاتفاق الذي أبرمته السعودية مع إيران في 10 آذار 2023 وعدم تعرّضه لاهتزازات تُذكر على الرغم من التوتّرات التي تعصف بالشرق الأوسط. وإذا ما التزمت الرياض بنصّ وروحيّة الاتفاق وكرّرت على لسان مسؤوليها الكبار التمسّك بخيار الحوار والتفاهم مع طهران، إلا أنّ محدّثي يلاحظ أيضاً أنّ إيران كما الميليشيات التابعة لها في المنطقة لم تتجاوز الخطوط العريضة لاتفاق بكين في التعاطي مع الرياض.
يقارن المصدر مواقف “محور المقاومة” وطهران ودمشق أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 وما صدر حينها من تهجّم ضدّ السعودية ودول الخليج مع مواقفها هذه الأيام. ويلاحظ أنّه إثر اندلاع الحرب ضدّ قطاع غزّة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي خلت مواقف طهران وحلفائها من أيّ تهجّم ضدّ المجموعة العربية، ناهيك من مشاركة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في القمّة العربية الإسلامية الاستثنائية التي دعت إليها السعودية والتي عُقدت في الرياض في 11 تشرين الثاني الماضي بشأن الحرب في غزّة.
يقرّ المصدر بأنّ الخلافات ما زالت موجودة بين البلدين، وأنّه ليس سهلاً تذليل كثير من العقبات في سيرورة العمل والتعاون المشترك. ويؤكّد أنّ بلاده لا تريد تغيير إيران بل التعامل معها وتفهّم ظروفها الداخلية وإيجاد قراءة مشتركة تضمن مصالح الطرفين داخل المنطقة. ولو أنّ هذه المصالح ما زالت متعارضة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فإنّ الرياض متمسّكة بسياسة الحوار مع طهران ومشجّعة لكلّ التحوّلات البطيئة والصعبة التي تجري في المنطقة.
طهران كما الرياض وباريس وبقية العواصم المعنيّة باتت مقتنعة بالحاجة إلى العبور إلى لحظة توازن يستفيد منها لبنان وتحظى برعاية الدول المهتمّة بالشأن اللبناني
الانفراج الإيرانيّ السعوديّ… في لبنان
لم يعلّق المصدر عن أنباء قيل إنّ مصدرها طهران لمّحت إلى أنّ السعودية تقوم بدور الوساطة من خلال نقل الرسائل بين واشنطن وطهران. وحين أسأله عن تداعيات هذه الأجواء على لبنان، يدعوني إلى تأمّل مجموعة من التفاصيل الحديثة التي تكشف انسحاب حال الانفراج النسبي في علاقات الرياض وطهران على طبيعة علاقة البلدين داخل لبنان ومآلات الأمر على أزمة هذا البلد.
يقول إنّه اطّلع على تقارير صدرت في بيروت عن رسائل حملها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان بشأن عدم موافقة إيران على انتخاب رئيس للجمهورية يكون معادياً للسعودية أو لا يحظى برضا الرياض، لكنّه لا يملك معطيات مؤكّدة رسمية في هذا الصدد. ويضيف أن لا مرشّح للسعودية لرئاسة لبنان فهذا شأن لبناني ولطالما كرّر المسؤولون السعوديون كما سفير المملكة في بيروت وليد البخاري أنّ المملكة ستدعم خيار اللبنانيين.
حول ما إذا كانت الرياض وطهران في حالة تنسيق وتشاور بشأن لبنان، خصوصاً أنّ إيران ليست جزءاً من اللجنة الخماسية المعنيّة بشأن هذا البلد، يدعو المصدر إلى تسليط الضوء على حراك السفير السعودي في بيروت، ويقول إنّ البخاري، بعد عودته من الرياض، افتتح نشاطه بدعوة السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني إلى دارته في اليرزة، وهو ما يكشف أجواء السعودية وتوجيهاتها. ويلفت إلى أنّ التلبية السريعة للسفير الإيرني لهذه الدعوة في 22 من الشهر الجاري تكشف بالمقابل أجواء إيران بشأن التنسيق مع السعودية.
الخمسة.. زائد إيران
يضيف المصدر أنّ التواصل السعودي الإيراني (وهو طبعاً يضاف إلى التواصل القطري الإيراني وحديثاً المصري الإيراني)، سيجعل من طهران عضواً افتراضياً سادساً داخل “الخماسية”. ويرى أنّه لم يعد مهمّاً الطابع المعلن والرسمي في تشكيلة لجنة التواصل الدولية الإقليمية حول لبنان ما دام كلّ أعضائها، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا، هم بشكل أو بآخر، على تواصل مع طهران في ملفّات عديدة، بما فيها ملفّ لبنان.
يروي محدّثي أنّ حركة البخاري واستضافته بصفته سفير السعودية لسفراء اللجنة الخماسية في مقرّه، تعبّران عن دينامية سعودية باتجاه تسوية يُنصح بمراقبتها. يختم أنّ المملكة تتعامل مع لبنان كما هو وبظروفه وتوازناته على منوال تعاملها مع إيران واليمن وبلدان أخرى في المنطقة. ويلمّح إلى أنّ توازنات لبنان لا يمكن أن تُحسم لطرف ما مهما كانت طموحاته، وأنّ تجارب الاحتراب الأهليّ السابقة مثال على ذلك.
يضيف أخيراً أنّ طهران كما الرياض وباريس وبقية العواصم المعنيّة باتت مقتنعة بالحاجة إلى العبور إلى لحظة توازن يستفيد منها لبنان وتحظى برعاية الدول المهتمّة بالشأن اللبناني. ويدعو المصدر السعودي إلى تأمّل قاسم مشترك لبلدان المنطقة التي ترى في التحوّلات الدولية خطراً مشتركاً يتطلّب تآلفاً لا تماهياً مع خطط وخرائط تُطلّ من خارج المنطقة وعواصم العالم البعيدة.