سلايداتمقالات

الملاكمة القضائية عارٌ قتل لبنان.. تعالوا لإعادة إحيائه

كتب المحامي عبد الحميد الأحدب في اللواء:

السياسة هي نقيض الأخلاق!

ربما كان في السياسة صدفة أخلاق وهي ليست سوى بطولات وهي معبودة الشعوب، ومنها تندلع الثورات التي تُنجب الأبطال الذين يُنقذون أوطانهم بعد موتها، السياسة التي فيها أخلاق تعمِّر، والسياسة التي ليس فيها اخلاق تدمِّر!

منذ أيام حصل حادث تاريخي نادر هو ملاكمة قضائية لم تحصل ولا في بلد في العالم ولا حتى في التاريخ.

رئيسة الوزراء في نيوزيلاندا جاسيندا ارديرن (42 عاماً) أعلنت في تصريح صادم عن تنحّيها عن منصبها تقول: «لم اعد قادرة على مواصلة قيادة البلاد وقررت التنحي، ليس بسبب صعوبة الوظيفة بل لأن آخرين يمكنهم القيام بعمل أفضل».

في الحرب العالمية الثانية، وبعد تحرير شارل ديغول فرنسا، تسابق الناس لإخبار ديغول عن صعوبة الأوضاع في فرنسا ومستوى الدمار الذي حصل فيها، فما كان منه الا ان سأل عن حالة القضاء، فلما أجابوه بأن القضاء بخير قال: «اذاً فرنسا بخير»، لم يكن سبب هذا القول سياسةً ولا رياءً أو تزلفاً لقضاة فرنسا، بل كان رأياً مبنياً على حقائق وتاريخ مرّ في العتمة الأوروبية والإتحاد العلمي والثقافي حتى بزغ فجر الثورة الفرنسية والقضاء قلبها النابض. هنا يظهر الفرق بين السياسة والأخلاق.

السياسة عدو الأخلاق! وإذا ظهر سياسيون ينعمون بالأخلاق فهو الإستثناء الذي يثبت القاعدة! السياسة لعبة أشقياء ولكن فيها نادراً شرفاء.

السياسة تبحث عن قضية، عن أزمة، عن أكذوبة لتلهي الشعوب بها وتصرفها عن الخلق السليم، وقلب الأخلاق هو القضاء لأنه مدرسة الإستقامة والشرف.

السياسة في لبنان أفرغت خزينة الدولة ولم يوقَّف ولا مسؤول لا صغير ولا كبير بل وُزِّعت أوسمة في نهاية العهد، ثم معركة الملاكمة التي حصلت أول أمس في قصر العدل وفي مكتب وزير العدل ليست عار فحسب بل تأكيد على ان السياسة ليست فيها اخلاق لا سيما وأن معركة الملاكمة القضائية يبحث فيها عويدات عن اقصاء القاضي بيطار لعل حزب الله يمنّ عليه بوزارة أو برئاسة وزارة! رَحِم الله منيف عويدات.

القاضي بيطار وصل الى نهاية القرار الإتهامي وكشف الأشقياء الذين نسفوا المرفأ، فأسرع عويدات الى إخلاء سبيلهم.

ليس في السياسة أخلاق بل هي عدوة الشرف والإستقامة وهي قلب الأخلاق لأن نبضها هو القضاء.

القضاء مات ليس بالسكتة القلبية بل بالتدريج خلال السنوات العونية الى ان كانت السكتة القلبية التي ماتت فيها الأخلاق حين تضارب القضاة مع بعضهم مستعينين بسائقي سياراتهم وبعضلاتهم.

في العالم كله السياسة هي الفساد وسرقة المال! وتجد دائماً السياسة قضية لتُلهي الشعوب بها فإذا غباء الشعوب يتلهى.

خلال أقل من ربع قرن انشَغَل العالم العربي كله عن بكرة أبيه بقضية فلسطين فانقضّت الجيوش على السلطة وأخذت الملكيات شرعيتها من «تحرير» فلسطين فإذا العرب بعد أقل من قرن يفقدون فلسطين ويسقطون أنفسهم في الجحيم! هذا هو الفرق يبن الأخلاق والسياسة.

الإستثناءات الأخلاقية في السياسة هي تأكيد مبدأ ان لكل قاعدة استثناء! والإستثناءات ليست سوى استثناءات نادرة، كل مئة عام رجل أخلاق والباقي سياسة وسياسة.

كان سعد زغلول رجل خُلُق ولم يكن سياسياً بل بطلاً قومياً ولكن سعد زغلول جاء قبل فتح دكان بيع تجارة فلسطين وتحريرها.

أين في التاريخ رئيسة وزراء نيوزيلندا تتنحى عن رئاسة وزارة بلادها وتقول لم أعد قادرة على مواصلة قيادة البلاد، ليس بسبب الوظيفة بل لأن آخرين يمكنهم القيام بعمل أفضل؟

السياسة والسياسيون ليس في قاموسهم من هو قادر على القيام بعمل أفضل، كلهم يعملون بالتخريب والفساد وليس في قاموسهم من هو أفضل منهم بالنهب والتلاعب!

حين يقول ديغول ان فرنسا بخير إذا كان قضاؤها بخير، فلأنه رجل خُلُق يعرف ان ضمير الأخلاق في السياسة هو القضاء! وهذا هو الفارق التاريخي بين الأخلاق والسياسة.

وسيذكر تاريخ العالم معركة الملاكمة القضائية في مكتب وزير العدل، سيذكرها التاريخ وستحزن كل مجتمعات العالم على الأخلاق التي ماتت في لبنان.

لبنان الذي كان ما كان في أيام الإنتداب الفرنسي، صار مضحكةً تاريخيةً للعالم وسيذكره التاريخ كما ستذكره الجغرافيا. كلما نزلنا في الإنهيار طابقا وجدنا أن تحتنا طابق آخر ينتظر جحيمنا.

السياسة عدو الأخلاق الى ان تندلع الثورات. والثورة اللبنانية كانت من محلات العاب «قيصر عامر» زادت الطينة بلّة. الملاكمة القضائية التي كانت عاراً على لبنان تُمثِّل النعاس والكسل لدى الشعب وتزيد الطائفية طائفيةً الى المذهبية.

وهات انحدار وانهيار. نحن بحاجة الى رئيسة وزراء نيوريلندية تقول انها تستقيل لأن هناك من هو قادر أن يعمل وينفذ أفضل منها. نحن في السياسة نبحث عمّن هو قادر على أن يفعل أسوأ من سواه. هذه هي السياسة وتلك هي الأخلاق. هاتوا لنا اعجوبة. هاتوا اعجوبة ديغولية تؤشر على سقوط الأخلاق لأن القضاء سقط في ملاكمة قضائية. هاتوا من هو «على خلق عظيم». هاتوا لنا ريمون إده وفؤاد شهاب، هاتوا أخلاقاً نضبت في السياسة. ولم يبقَ سوى الملاكمات وضرب العصي بين القضاة وعارٌ ان نسمّيهم قضاة فلم يظهر في القضاء إلا قاضٍ واحد هو القاضي البيطار وما عدا ذلك فطريقهم الى السجون. ليسوا قضاة بل يحتاجون الى قضاة يُحاكمونهم ويحكمون عليهم بالعار الذي أدان بهم تاريخ الملاكمة التي حصلت أول أمس.

لن ننزل طابقاً تحت طابق في الجحيم بل نحن ذاهبون بكسل ونعاس الى الجحيم.

لا أقول ان لبنان ذاهب الى الزوال بل هو زال فعلاً وليس فيه سوى ملاكمات قضائية ونهب ونصب.

نحن لا نعمل على إنقاذ لبنان بل إعادته الى الحياة بعد أن قتلوه.

وقد أسقط السياسيون من القاموس كلمة «محاسبة» أو «معاقبة»، ولم تبقَ إلا الملاكمات القضائية في كل صفحة من القاموس.

ليس في السياسة سياسيون لأنه ليس في السياسة اللبنانية والعربية رجال دولة، كلهم نهب ونصب واحتيال ولكن تحت شعارات الطهارة والإعمار والتعمير!

لم تمزق السياسة لا في التاريخ ولا في العالم إلا الثورات كما الثورة الفرنسية.

فهاتوا لنا ثورة.

واستفيقوا، فحتى قرع الطبول لم يعد يقطع النوم والكسل العميق الذي استحكم بكم.

هاتوا لنا ثورة من غير إنتاج محلات ألعاب «قيصر عامر»، ليس كما الثورة الأضحوكة التي قاموا بها منذ ثلاث سنوات، نريد ثورة فرنسية، روبسبيير وأمثاله يقطعون الرؤوس ثم تقطع رؤوسهم.

هل تسمعون قرع طبول الملاكمات؟

هيا استفيقوا.

هيا الى رئيسة وزراء نيوزيلاندا الى ديغول، الى روبسبيير الى الثورة الفرنسية!

ولا نقول لكم استفيقوا، فقد مات الضمير حين صارت السياسة هي التي تقود لبنان الى الجحيم والى «يجب أن نحمل بعضنا»، كما قال العلّامة في جمع المليارات نجيب ميقاتي.

في آخر الطريق، اعجوبة! هل تتحقق؟ وكيف؟ هل تستفيق الأخلاق ويظهر أبطالها من رجال الدولة؟ كيف ومتى؟

نحن لا نعمل على إنقاذ لبنان بل اعادته الى الحياة بعد أن قتلوه.

لا شك ان هناك رجالا وأبطالا، لدينا ديغول ولدينا روبسبيير ولدينا جاسيندا ارديرن النيوزيلندية، كلهم في بيوتهم.

استفيقوا يا رجال ونساء لبنان، قتلوه بسبب كسلكم ونعاسكم. هيا انهضوا على قرع الطبول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى