كتب بشارة شربل في إفتتاحية نداء الوطن:
يمكن التأكيد أنّ اللبنانيين منقسمون حول رؤيتهم لمستقبل النظام والكيان والدولة و»الوحدة الوطنية»، ومختلفون في طرائق العيش ومعاني الاستشهاد وثقافة الحياة والنظرة الى الموت، وهم كسائر الشعوب يتمايزون في المذاق والموضة ونوع الموسيقى والتعامل مع البيئة. لكن لا يختلف لبنانيان على أنّ ولوج أبواب الحلول لقضايانا الاستراتيجية ومشكلاتنا الحالية في هذه الفترة من تاريخ لبنان يقع على عاتق «الثنائي الشيعي». فهو الطرف الأقوى، يمتلك قرار السلم والحرب، ومفاتيح ساحة النجمة وبعبدا والسراي والقدرة المجرَّبة على ملء الساحات وإقفال الطرقات…
ومهما ادّعى «الثنائي» أنّ تلك القوة الفائضة موضوعة في خدمة لبنان من خلال الصراع مع إسرائيل، فلقد استحال عليه منذ تحرير الجنوب والبقاع الغربي عام 2000 إقناع بقية الطوائف واللبنانيين، أنّ هدفه المركزي ليس الهيمنة على القرار الداخلي وفرض الرأي والنهج على شركاء باتوا يشعرون كأنهم أجراء. ولا يحتاج خصوم «الثنائي» الى أسانيد. فحلفاؤه يعيبون على أحد فرعيه اجتياح الدولة والتأسيس لتبديد مقدراتها، وعلى الفرع الثاني عدم الاكتراث لإعادة بنائها أو أقلّه لواجب الترميم.
منذ اندلعت حرب غزة في 7 تشرين، يُخضِع «الثنائي» كل اللبنانيين لاختبار جديد، يحمّلهم فيه النتائج من غير أن يعتبرهم أهلاً لمشورة ولا أصحاب رأي. وإذ فشلت فشلاً ذريعاً سردية «حرب المشاغلة» كونها لم تخفّف عن غزة وحشية العدوان الإسرائيلي، فقد أُشهر سلاح التخوين ضد كلّ رافض انزلاق لبنان الى ما يشبه الأتون الغزاوي، أو ناطق باسم شريحة من جنوب الجنوب تتعرّض للقصف والتدمير فيما هي لا تشارك بيئة «المقاومة» محضَها التأييد المطلق ووضع مصير ممتلكاتها وأبنائها في خدمة ايديولوجيتها ومشروعها الإقليمي.
تُفرز «الساحة» اللبنانية حالياً استعصاءين، بطلُ كل واحد منهما أحد توأمي «الثنائي». ففيما ربطَ «حزب الله» مصير إطلاق النار بوقفه في غزة، شدَّ الرئيس بري وثاق الاستحقاق الرئاسي بعقدة الحوار. وعلى الخطّين المتوازيين لا بشائر لكسب متاح، بل نُذُر انعكاسات تستدعي الاستيعاذ. أحدها، احتمالُ حرب مدمّرة لا يستطيع الحزب أن ينفيه. وثانيها، تعميق فراغ الكرسي الرئاسي بفشل متفاقم للمؤسسات مقرون بانهيار عميم؛ ولا يَخفى على الرئيس بري هذا الواقع الأليم.
وإذ يبدو أنّ شرط «حزب الله» لوقف ناره جنوباً سقط بفكّ يوآف غالانت الارتباط بين الجبهتين متمسّكاً بمشاغلته «الحزبَ» الى أن ينسحب من الحدود، فإن ذلك يقلب رأساً على عقب المعادلة التي أرساها «الحزب» ويرغمه على معاودة حساباته إذا لم تكن الحرب هدفه الأساس، وهي ليست كذلك حسب التصريحات والمعطيات.
في مواجهة الفخ الإسرائيلي المستجد ليس عيباً ولا نقيصة الاستجارة بالدولة، شرط أن يتوقف استخدامها كعبد مأمور لدى متجبِّر يقول «الأمر لي»، ولا شك في وجود دول مستعدة لمساعدتنا إذا التزمنا القرارات الدولية وجنَّبنا الجنوب ولبنان المغامرات والأخطار.
لا وصفة أفضل من التواضع لتخفيف أحمال «الثنائي» وكل لبنان. باعتماده يأتمن «الحزب» الدولة وجيشها الشرعي على الحدود والقرار الدولي. وفي ظل تلك الفضيلة ينسى الرئيس بري «خبرية» الحوار فيمارس واجبه البديهي بالدعوة الى جلسة طبيعية لانتخاب رئيس.