القصف الإسرائيلي على الغازية محاولة مكشوفة لجرّ لبنان إلى حرب مفتوحة، لإشغال الداخل الإسرائيلي عن التعثر الحاصل في عملية إطلاق الأسرى لدى حماس، وإستعراض عضلات الآلة العسكرية لإستعادة الثقة بإسطورة «الجيش الذي لا يُقهر»، والتي إنهارت في الحرب الوحشية على غزة.
توغل الغارات الصهيونية شمال الليطاني، وعلى مسافة ٦٠ كلم من الحدود الجنوبية، أثبت هشاشة التطمينات الأميركية، والأوروبية الأخرى، حول لجم حكومة نتانياهو عن القيام بأي عمل عسكري في الداخل اللبناني، والحفاظ على قواعد الإشتباك الراهنة، مقابل عدم التصعيد من الجانب اللبناني.
ولكن يوميات الحرب غير المعلنة الدائرة في الجنوب اللبناني، تُظهر أن التصعيد المستمر يأتي من الجانب الإسرائيلي، حيث تشن الطائرات الحربية عدة غارات يومياً على منازل المدنيين والمؤسسات العامة، وتقصف الأراضي الزراعية بالقنابل الفوسفورية، في إطار سياسة الأرض المحروقة، وتحويل الخطوط الأمامية على الحدود إلى مناطق غير قابلة للسكن، بهدف إنشاء شريط حدودي عازل على عمق يتراوح بين ٣ و٥ كلم.
دعاة الحرب في تل أبيب يُطبّلون لوجود ٦٠ ألف مهجّر من المستوطنات المجاورة للحدود اللبنانية، بحجة الخوف من هجمات وصواريخ حزب الله، بينما تجاوز عدد المهجّرين من سكان القرى الحدودية اللبنانية المائة ألف نسمة، وقارب عدد المنازل المدمرة الستة آلاف منزل، وتم إقفال عشرات المدارس والمعامل والمؤسسات السياحية في المنطقة، فضلاً عن الخسائر البشرية المتزايدة، نتيجة القصف الجوي وعمليات الإغتيالات بالطائرات المسيّرة.
هذا الواقع الذي يُبيّن أن لبنان هو البلد المُعتدى عليه يتم التعامل معه ببرودة من مواقع القرار الرسمي والسياسي في بيروت، حيث الحركة الدبلوماسية تكتفي بتقديم الشكاوى الروتينية إلى مجلس الأمن، والأطراف السياسية على عنادها في مواقفها الخلافية، التي تعطل المؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية، وتتنصل من التجاوب مع مساعي اللجنة الخماسية لإنهاء الشغور الرئاسي في أسرع وقت ممكن، لتمكين لبنان النهوض من كبوته، والاستعداد لمواجهة تطورات ونتائج الحرب المدمرة على غزة، وإرتداداتها على الوضع الإقليمي.
إستعادة وحدة الصف الداخلي تبقى هي السلاح الأول والأقوى في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة ضد لبنان.
الوضع في البلد بعد قصف الغازية لن يكون مثل ما قبله، فهل مَن يُبادر قبل فوات الأوان؟