سلايدات

نتنياهو .. أحلام على صخرة المستحيل

بقلم/ مصطفى شهاب
عندما ينظر نتنياهو إلى نفسه في المرآة بعد أن قال لوزير دفاعه غالانتس في معرض التجاذب بينهما على إدارة الحرب على الفلسطينيين في غزة والضفة وعلى لبنان: “إسرائيل دولة لها جيش وليست جيشا له دولة”، كان من يتحدث في الواقع عقله الباطن الذي ترسخت فيه الفكرة الوظيفية العسكرية للكيان الصهيوني حين قررت الدول الاستعمارية الغربية إنشاءه مطلع القرن الماضي، وعلى راسها بريطانيا في ذلك الوقت، توجهها فكرة أن إسرائيل ستكون قاعدة متقدمة للإمبريالية في المنطقة العربية لها دورها الوظيفي في تطويع المنطقة، وإبقاء حال القلق والتوتر فيها، بما يمكن من استنزاف مقدراتها، وإنفاق مداخيلها على التسلح وليس على التنمية.
فواقع حال إسرائيل اليوم مع نتنياهو، أو لنقل معضلتها معه التي ستؤدي حتما إلى انهيارها أن رئيس وزراء دولة الكيان بات يفكر كصهيوني استراتيجي ليس همه بقاء الدولة واستقرار المنتسبين إليها، بل في كيفية تجاوز الدور الوظيفي للدولة اليهودية إلى بناء حلم الآباء المؤسسين في إقامة إسرائيل الكبرى، وفق حدود الطموح الذي يجسده الخطين الأزرقين في العلم الإسرائيلي.
ومن هنا فإنه يرى أن على الجيش الإسرائيلي أن يلتزم بقرارات الحكومة بعيدا عن آراء جنرالاته وقادته وكل ما تعنيه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية كصمام أمان لدولة الكيان. لكن مشاكل نتنياهو في واقع الأمر كبيرة ومتشعبة وتتطلب حلولا ليس بمقدوره إنجازها.
فمن جهة هناك الواقع الديمغرافي على الأرض الفلسطينية حيث بات الفلسطينيون على أرضهم التاريخية من النهر إلى البحر يساوون عدد اليهود، بل يزيدون، وسيزيدون حتما. وهو إذ حاول تهجير الفلسطينيين من أبناء غزة تجاه الأراضي المصرية ولم يفلح بسبب الرفض الدولي الجمعي لتوجهاته، لذلك لم يجد من وسيلة للتعويض عن هذا الإخفاق سوى العمل على تحويل الحرب مع المقاومة الفلسطينية إلى حرب إبادة وتطهير عرقي ضد المدنيين تخطى فيها كل الأعراف والمواثيق الدولية، وهو يفعل ذلك في الضفة الغربية وإن بقدر أقل حاليا، وإلا ما معنى أن يقتل بطائراته أكثر من عشرين فلسطينيا في مقهى بمخيم طولكرم تحت زعم أن بينهم مطلوب لأجهزته الأمنية التي كان يمكن أن تطلب في إطار التنسيق الأمني مع السلطة تسليمها إياه، وكان ذلك سيتم.
ومن جهة أخرى هناك الواقع الجغرافي المحيط بدولة الكيان، التي كانت منبوذة وستظل منبوذة لدى هذا المحيط مهما نجح في تحقيق بعض الاختراقات على الأطراف العربية الأقل أهمية وذات الدور الهامشي في الصراع؛ خاصة بعد أن أكدت المملكة العربية السعودية على لسان قادتها أكثر من مرة بأنه لن يكون هناك علاقات مع سلطة الكيان إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، وهو موقف ساهم جنون نتنياهو في بلورته بهذا الحد من القوة والوضوح. كما لا شك أن رئيس الوزراء الصهيوني وكل من في دولته يدركون أن مواطني الدول العربية التي وقعت إسرائيل اتفاقات سلام مع دولته كمصر والأردن ليسوا في وارد تطبيع العلاقات مع هذا الكيان ويتحينون الفرصة للانقضاض عليه.
ومن جهة ثالثة تعاني إسرائيل نتنياهو في مواجهة إشكالية العلاقة ثلاثية الأبعاد الإيرانية -الأميركية -الإسرائيلية، حيث تتضارب هنا المصالح الأميركية مع المصالح الإسرائيلية. ففي حين يريد نتنياهو أن يكون هو بعبع المنطقة والسيد الآمر الناهي فيها، ترى أميركا أن من مصلحتها الحفاظ على إيران قوية كفك ثاني للكماشة التي تطبق على العرب من أهل السنة في المنطقة؛ مما يسهل على أميركا استمرار هيمنتها تحت ذريعة الحماية، وأنا لا أشك أن تأخير الرد الإسرائيلي على ضربات إيران الصاروخية إنما مرده إلى خلاف إسرائيلي أميركي حول حدود الرد والمواقع التي سيستهدفها، ومدى الأضرار التي يجب أن تلحق بإيران بحيث لا تصل إلى تمادي الطرفين في تبادل الردود التدميرية بينهما.
والآن ماذا حقق نتنياهو على مدى عام من الحرب التي أراد وعمل على توسيعها في مختلف الاتجهات؟ ها قد مر عام على طوفان الأقصى المبارك. فهل نجح نتنياهو في تحرير أسراه، أو القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة والتي بدل من ذلك أذكى لهيبها في الضفة المحتلة بالرغم من وجود قواته وأجهزة أمنه والمسلحين من مستوطنيه؟
نعم، نجح نتنياهو في عمليات الاغتيال التي نفذتها أذرعته الأمنية في لبنان وسوريا وإيران وفي قطاع غزة والضفة الغربية، كما نجح في قتل عشرات الآلاف، ولا زال يفعل من أبناء شعبينا في فلسطين ولبنان، ونجح في الوصول بضرباته الجوية -بمساعدة أميركية- إلى اليمن، ونجح في تدمير المدارس والجامعات والمساجد والكنائس والمستشفيات وكل مقومات الحياة وتدمير البنى التحتية في فلسطين ولبنان وتجريف الشوارع؛ تماما كما تفعل القوة الغاشمة، لكنه ظل محاصراً كطاووس لا يزال يتلقى الضربات في قفصه. فهل يمكن لمن هذا هو واقع حاله أن يكون منتصرا، وأن يحقق أحلامه؟؟ تنتهي الحروب بين المتحاربين بتوقيع اتفاقات سلام أو استسلام؛ فهل انكسرت إرادة الفلسطينيين برغم كل الأسى في سعيهم نحو الحرية؟ وهل ترون أن إرادة المقاتلين من أبناء شعبنا اللبناني قد انكسرت؟؟الجواب عندكم يا أبناء أمتنا. وكم أود أن أسمعه من المحللين السياسيين والعسكريين الذين تستضيفهم قناة العربية بالتحديد. وخذوها مني: لقد نجح نتنياهو في دق المسمار الأقوى في النعش الذي سيحمله ودولته إلى مزبلة التاريخ. على هذه الأرض، في فلسطين وعلى امتداد وطننا العربي العريض، أمة تأبى الهوان، ولن تتسامح أو تغفر أو تصالح يوما؛ حتى لو تم تضليلها إلى حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى