سلايداتمقالات

“أحداث وعبر”

مقال قديم .. ودلالات تتكرر

ما أشبه الليلة بالبارحة. هكذا يقول المثل العربي، وهو للحق أكثر ما ينطبق على القضية الفلسطينية، فالأحداث والمواقف فيها تتكرر، وهو أمر لا يخفى على أحدٍ أراد أن يبصرَ الحقيقةَ لا أن يطمسها كما يفعل الصهاينة ومحازبيهم من مختلف الملل والدول، وبالتحديد أميركا وأذنابها في الغرب. فيما يلي أنقل لكم مقالا كنت كتبته عام 2002 ردا على ما لحق من تهجمات على العمليتين الاستشهاديتين اللتين نفذهما في وقت متزامن الفتى الشهيد أيمن أبو الهيجا والشهيدة عندليب خليل، أعيد المقال فقط للتذكير والاعتبار، وكان بعنوان:
“العمليات الاستشهادية الفلسطينية ما بين حيفا والقدس.. دلالات وعبر”

هل يفقه الأميركيون قبل الصهاينة الذين أعمتهم غطرسة رئيس وزرائهم شارون وجحافل جيشه دلائل عمليتي حيفا والقدس؟
منفذ العملية الأولى، خرج من بين ركام مخيم جنين في ظل حصار إسرائيلي مطبق على المدينة ومخيمها الصغير، ولم تستطع (إسرائيل) أن تحول دون خروجه، ووصوله إلى العمق (الإسرائيلي) لتنفيذ عمليته، بالرغم من أنه تحدى الإسرائيليين عند الثالثة من فجر الأربعاء، وأعلن أنه سينفذ عملية استشهادية. وبالفعل لم تمض سوى ساعات ثلاث، وإذا بجسده الطاهر يتناثرُ بركانَ غضبٍ في أجساد مغتصبي أرضه من حلفاء الظلام، حفداء النازيين الجدد، أعداء النور والحرية.
والشهيدة عندليب خليل رحمها الله، عبرت الحواجز التي وضعتها قوات الاحتلال في وجه كل عربي لتصل إلى هدفها في القدس الغربية لتتوزع كأتون غضب في أجساد الجلادين ذاتهم ، لتسدد بذلك بعض فاتورة دمٍ استوجبت الدفع ولا تزال، ولم يستطع أعداء الإنسانية رغم كل حواجزهم، دون وصولها إلى مبتغاها.
فإذا كانت (إسرائيل) وهي تهيمن بكل جبروتها على كل مفاصل الحياة في الضفة الغربية لم تستطع أن تحول دون الفتى المناضل، والزهرة المجاهدة من تنفيذ عمليتيهما الاستشهاديتين، فهل بمقدور الرئيس عرفات -رحمه الله-، والذي كان محاصراً، وتحمله (إسرائيل) وببغاواتها في واشنطن مسؤولية هذه العمليات، أن يحول دون قيامها؟
هل كانت اتفاقية أوسلو اتفاقية شرف بين طرفين متكافئين يبحثان عن سلام دائم وعادل وشامل بينهما، أم كانت عملية استدراج أرادت تل أبيب أن تُسخِّرَ فيها عرفات ورجاله الذين طالما حاربوها، حماةً لأمنها؟ في الوقت الذي تواصل هي اغتصابها للأرض، ولكل مقدرات الإنسان الفلسطيني في حاضره، وتصادر أي أمل له في المستقبل.
أتعجَبُ الولايات المتحدة والمتأمركون من خلفها أن يفجر الفلسطينيون اجسادهم غضبا في غاصبي أرضهم ومحتليهم، بعد أن صادر المحتلون حتى حقهم في الحلم، وفي استشراف مستقبل آمن لأبنائهم.
كيف يمكن أن يسهم الفلسطينيون في تحقيق أمن يفتقدونه للإسرائيليين الذين يقتلون أطفالهم، ويقتلعون أشجارهم في محاولة لاقتلاع جذورهم وانتمائهم لوطن لم يعرفوا ولا يريدون أن يعرفوا وطنا لهم سواه؟؟
هل بمقدور شعبٍ احتلت أرضه، وتنتهك كرامته كل يوم، إلّا أن يقاوم محتليه وسارقي مستقبله؟؟!
ماذا تفعل الشعوب المضطهدة إلّا أن تتفجر غضباً في أجساد الغاصبين، إذا كانت لا تملك ما تقاوم به جحافل جندهم؟؟
ايستكثرون على الشعب الفلسطيني أن يبدع سلاح دمار شامل جديد ليس إلا أجساد أبنائهم وبناتهم الطاهرة التي يفجروها في أعدائهم بعملياتهم الاستشهادية، حين لم يلقوا ما يدافعون فيه عن أنفسهم في وجه طائرات الأباتشي والأف-16، ودبابات الميركافا، وكل آلات البطش الأميركية في أيدي عصابة من القتلة والمجرمين تسمى افتراء جيش الدفاع الإسرائيلي الذي اسسته دولة مصطنعة على أرض ليست لهم ليعيثوا فيها فسادا وقتلا وتدميرا.
إذا اعتبر الأميركيون أن كفاح الشعب الفلسطيني الذي تؤيده شرائع السماوات والأرض إرهاباً .. فماذا تسمي حرب استقلالها التي قادها جورج واشنطن في مواجهة بريطانيا الأم؟؟
ألسنا تلامذةً نسير على نهج هذا الإرهابي الأول (جورج واشنطن) وفق توصيفكم للأمور؟؟
لقد قبل الفلسطينيون أن يمنحوا المحتلين الصهاينة الجزء الأكبر من وطنهم وفق قراري مجلس الأمن 242، 338، وتخلوا عن حقهم في المطالبة بدولة أوسع وفق قرار التقسيم 181 الصادر عام 1947م، والذي اكتسبت على أساسه الدولة اليهودية الاعتراف الدولي بها، لكن هذه الدولة تأبى حتى مجرد التسليم والاعتراف بهذا الحق الهزيل الذي ارتضيناه.
لقد كان الاجتياح الإسرائيلي الأخير لأراضي السلطة الفلسطينية، والعدوان على مقراتها ومؤسساتها الأمنية نقضا فاضحاً لاتفاق أوسلو، والمبادئ التي قامت عليها عملية السلام منذ مؤتمر مدريد؛ أفليس من حق منظمة التحرير الفلسطينية والحالة هذه أن تدعو إلى اجتماع لمجلسها الوطني لإعادة الفقرات التي شطبت من الميثاق في انتظار معادلة متوازنة -ولا أقول عادلة- تقوم على أساس أن شطب هذه الفقرات يجب أن يقابله انسحابٌ كاملٌ إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، واعترافٌ بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة على أرضها، وعاصمتها القدس الشرقية كاملة، إلى جانب حل مشكلة اللاجئين؛ ذلك أن أي سلام في المنطقة لن يقوم، ولن يتحقق ويترسخ دون ذلك.
هل تبدو دعوة كهذه غير منطقية في ظل التحرك الذي يقوم به وزير الخارجية الأميركي كولن باول من أجل استئناف عملية السلام. لكن هل هذا التحرك جاد وصادق. وهل تسعى أميركا لإحقاق الحق الفلسطيني أم لإتاحة المزيد من الوقت لربيبتها (إسرائيل) لارتكاب المزيد من المجازر بحق شعبنا الفلسطيني ، والاستيلاء على مزيد من أرضه وتوسيع بناء مستوطناتها، ناهيك عن مساعيها لتهجير أكبر عدد من الشباب الفلسطيني خارج وطنه وأرضه.
فمتى يفهم الأميركيون ومن لف لفهم أن كفاح الشعب الفلسطيني لن يتوقف، -ليس لأننا هواة حرب- بل لأن الطرف الإسرائيلي الذي يدعمونه يرفض التسليم بحقوقنا البسيطة التي يجمع العالم على عدالتها، ويتمادى في غيه بسبب دعمهم اللامحدود له.
أَكثيرٌ على الولايات المتحدة أن يحلم شعب مظلوم مقهور، سُلبت أرضُه منذ أكثر من خمسين عاما بالحرية وهي تدَّعي أنها حامية الحرية والديمقراطية؟؟؟!!!
هل أذكر الأميركيين والإسرائيليين وكل من يعنيهم الأمر أن فتيان فلسطين الذين خاضوا الانتفاضة الأولى، والتي طالموا قذفوا فيها جنود الاحتلال بالحجارة، هم أنفسهم من خرجوا إلى الشوارع عام 1993 بعد توقيع اتفاق أوسلو في واشنطن ليقدموا الورود وأغصان الزيتون للجنود الذين كانوا يقذفونهم.
أليس هذا دليل أكبر وكاف على حب الفلسطينيين للسلام؟ نعم السلام. لكنه السلام القائم على العدل.
هل يريد الإسرائيليون والأميركيون جولات جديدة من الغضب الفلسطيني؟ أؤكد لهم أنها قادمة لا محالة. فبغير العدل للفلسطينيين، والعرب في كامل حقوقهم المغتصبة، لن يكون هناك سلام دائم في الشرق الأوسط. وبالتالي، لن ينعم الأميركيون برضا وقبول شعوب المنطقة، ولن ينعم الإسرائيليون بالأمن والسلام، وستبقى دوامة العنف تضرب في كل اتجاه حتى لو وقع الرئيس عرفات ألف بيان تنديد وبيان، والأيام بيننا.

مصطفى شهاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى