هناك نظرية تسري في لبنان ومفادها أنّ أزمة المودعين تطاول نحو 250 الف مودع فقط، وبالتالي هي ليست قضية طارئة شاملة تنعكس على كل الاقتصاد الوطني، وانّها مشكلة هؤلاء المودعين فقط، وعليهم ان يعالجوها مع المصارف، وهي لا تخصّ بقية المواطنين الذين لا يملكون ودائع.هذه نظريات تخدم المصارف التي لا تريد إعادة الودائع وتتمنى تمييع القضية، وهي تشبه آراء المتمسكين بالفكر الاشتراكي الذي أثبت فشله على صعيد بناء اقتصادات قوية ومنتجة، هو فكر لا يشجع النجاح ولا يروّج للتنافس والريادة.تتراوح الودائع المحتجزة بأحجامها، وهي عصب حيوي للاقتصاد، وهي ما بين أعمال صغيرة الى مشاريع كبرى، وغالبية الذين ليس لهم ودائع يجدون عملاً او يعملون في مشاريع من هذا النوع. من هنا، من الحماقة ان يفكر احد في انّ مشكلات اصحاب الودائع لا تنعكس سلباً على الجميع.
هذا الأذى المباشر الذي نراه، اما الأذى الذي سينتج من مشكلة الودائع عند المستثمرين في الخارج، ولا سيما منهم اللبنانيون لا يُقّدر، هؤلاء هم مستثمرون محتملون سنخسرهم ولن نستطيع تقدير حجم خسائرنا في هذا السياق.
اذاً انّ أزمة الودائع ستنعكس خراباً على لبنان، اذا لم تتمّ إعادتها بطرق مختلفة، منها ما ذكرناه ومنها ما لم نذكره، وايضاً انّ صورة لبنان ستتدمّر وسيُعرف عنه انّه بلد سرق اموال الناس ولم يعدها.
لنتذكّر أزمة الارجنتين، حيث دفع المودعون الثمن وخسروا مدخراتهم، والنتيجة كانت سلسلة انهيارات لا تزال تلاحقه، بدءاً بالانهيار النقدي مع انخفاض الإيرادات وخفض الائتمان، وصولاً الى يومنا هذا واستمرار التعثر لعقود.
انّ ردّ الودائع له دور مهمّ في إعادة الثقة الى البلد، ومع الثقة تأتي الاستثمارات الجديدة وإنعاش الاقتصاد كما وإنعاش القطاع المصرفي عبر حسابات جديدة، حيث سيعرف الجميع انّ لبنان أعاد الاموال لأصحابها على الرغم من الأزمات.
واشدّد واكرّر، انّ تدفيع اصحاب الودائع الثمن ستكون له انعكاسات طويلة الأمد ستطاول كل مواطن في لبنان. انّها حلقة مترابطة وتنعكس على كل فرد من المجتمع، وهذا يشمل ايضاً موظفي القطاع العام والخاص. ولذلك فإنّ نظرية انّ ازمة الودائع لا تعنينا هي نظرية خاطئة.
ولكي لا نبقى أسرى للتعتير، علينا البدء بإعادة الودائع حالاً، والانطلاق بخطة تنموية كاملة تعيد الاستثمارات والانتاج الى البلد، لكي ينعكس الازدهار على كل مواطن. والأجدى عدم تقاذف المسؤوليات، لأنّ الجميع مسؤول، كل من تعاقب على الحكم منذ اكثر من ثلاثين عاماً وحتى اليوم يتحمّل مسؤولية ما حصل، واموال الناس هو دين عليهم تسديده وستلاحقهم لعنته الى يوم الدين.
وبالطبع لا ننسى قصة ابريق الزيت، وهي الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، والتي يجب ان تترافق مع اي خطة موضوعة لضمان عدم تكرار السرقة والهدر وإساءة الإمانة.