
أحلام ماضية
لطالما كان لبنان محكوماً بتوازنات إقليمية ودولية، تكون دمشق شريكة فيها وقوة ملتزمة إدارة الأمور في البلد “المتعب”. تغيرت قواعد اللعبة في العام 2005. وابتعدت أكثر في العام 2011 على وقع الثورة، وأصبحت شبه مستحيلة مع الانهيار الكبير الذي شهدته سوريا. أما اليوم، فهناك من يستعيد الرؤى والتفكير حول إمكانية التأثير السوري في المجريات اللبنانية. وهو بطبيعة الحال لن يكون تأثيراً جوهرياً، ولن يكون هناك تلزيماً دولياً أو إقليمياً لدمشق في إدارة ملف لبنان، فهذا من المستحيلات لانعدام القدرة وغياب الوزن والتأثير. ولكن للمسألة ارتباط بأبعاد سياسية وجغرافية واستراتيجية، فيكون البلدان خاضعين لتأثير الآخرين لا أحدهما متحكماً بالآخر.
منذ سنوات، وعلى وقع تقدم مسار التقارب مع دمشق أو تطبيع العلاقة معه، تزايدت رهانات حلفائها في لبنان على أدوار سيعود النظام السوري للإضطلاع بها. إلا أن ذلك كان عبارة عن إمعان في الوهم، وإيغال في إحياء أحلام ماضية. بينما في المقابل، كانت نظرة الآخرين المعارضين لدمشق تشير إلى أن إعادة احياء العلاقات مع سوريا، ستكون مرتبطة بحجم كبير من الشروط، لفرض توازنات جديدة على الساحة السورية، فيكون لها انعكاسات لبنانية. في خضم هذا النقاش اللبناني، كان يُطرح السؤال في الخارج حول مدى وسبل اهتمام القوى الإقليمية بالوضعين اللبناني والسوري، وهل ينطلق الاهتمام بهما بالدخول إلى لبنان وعبره إلى سوريا أم العكس؟
السعودية وسوريا
تأتي هذه التساؤلات والفرضيات، على وقع بعض التحولات الإقليمية، والتي أنتجت أيضاً تقارباً إيرانياً سعودياً، كانت اولوياته اليمن والعراق. حصلت بعض التقاطعات في العراق، وجاء اتفاق وقف اطلاق النار في اليمن. عندها كان الملفان اللبناني والسوري في ثلاجة الانتظار. فالدول الأربع هي التي سبق للإيرانيين وأعلنوا السيطرة عليها، وبما أن العمل على بعض التفاهمات في اليمن والعراق قد حصل، بقي التعليق قائماً للملفين اللبناني والسوري. لتعود تتحرك سكة خطوط التواصل بين دمشق ودول الخليج، منذ دعوة بشار الأسد إلى القمة العربية، وما بعدها فتح مسار التطبيع السعودي مع دمشق، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى السعودية، بالتزامن مع معلومات تتحدث عن الاستعداد السعودي لاستضافة حوار اللجنة الدستورية بين النظام والمعارضة على الأراضي السعودية، وليس في جنيف. يشير ذلك إلى استعداد سعودي للانخراط أكثر بالملف السوري وإعادة الإهتمام به، من دون إغفال المحاولات الكثيرة التي جرت سابقاً لتطبيع العلاقات مع دمشق وباءت بالفشل، بنتيجة عدم استعداد النظام السوري لتقديم ما يجب تقديمه، من تغيير الواقع السياسي، إنجاز إصلاحات، إطلاق سراح المعتقلين، وقف تهريب الكبتاغون، إعادة التوازن العربي الإيراني في سوريا وغيرها.