كتبت: كفا عبد الصمد
ذاع صيت صفة السفاح إبان الحكم العثماني للمنطقة، وقد نال اللقب وبجدارة الوالي العثماني جمال باشا الذين اشتهر بظلمه وتعسفه وتعليقه المشانق للأحرار وطلاب الحرية من دون محاكمة أو تحقيق. وطوي تناول هذه الصفة لما فيها من دلالة واضحة على القسوة والإجرام، إلى أن ظهرت ملامح سفاح جديد، سفاح من نوع آخر، سفاح الكلمة والحق والرأي الحر، الذي وكما يبدو تواطأ مع الزمن البعيد واعاد استدراج صفاته لتكون وليمة رئيسية على مائدتنا الاخلاقية، وتصدر الترند في زمن التواصل الاجتماعي وحصل عليها الإعلامي في قناة العربية طاهر بركة بجدارة وعن حق..
لن أدخل بسجال حول من قد تكون الجهة المحرضة لتصنيف الناس على أنهم وطنيين أو عملاء، لأن الصورة باتت واضحة على ما أعتقد، ولن أتحدث عن صفات وأخلاق طاهر بركة لأني أعرفه جيدا وكي لا أتهم بالتحيز، فكل من يعرفه أو صادف أن التقاه يوما، يعرف من أي طينة معجون هذا الحر، وأي عائلة بنت شخصيته الإعلامية واستقلالية مواقفه وحرية آراءه.. بل دعوني أحدثكم عن طاهر الصحافي النشيط والإعلامي المتمرس، الذي حاور كبار الشخصيات والقادة، ونبش في ملفات سياسية لا يجرؤ البعض على قراءتها حتى، حاور وسأل وجادل من دون أن يتبنى فكرة أو يتخذ موقفا، ولم يكن يوما الا موضوعيا صادقا ينقل الحقيقة بتجرد وحتى لو كان له رأيا مغايرا في الموضوع. ولعل هذا سبب نجاحه واستمراريته في قناة العربية لأكثر من عقدين. طاهر بركة محط ثقة من جميع العاملين في القناة مدراء وموظفين، كما كان محط ثقة كل من صادقه وتعرف عليه. وإذا أردنا إيضاح الأمور والعودة بالذاكرة الى السابع من أكتوبر وبداية عملية طوفان الأقصى وما تبعها من حرب إبادة على قطاع غزة، واستجمعنا كل الحلقات التي ظهر فيها طاهر بركة محاورا ضيوفا عرب وأجانب وحتى يهود، يظهر جليا دماثة خلق هذا الشاب حتى في محاورة العدو، وكيف أنه لا يتردد عن مقاطعة ضيفه واسكاته واحراجه ودفعه الى مغادرة الحلقة وقطع الاتصال، إذا ما تفوه بكلام فيه كذب واضح وافتراءات لا يمكن السكوت عنها، يقاطعه بكثير من الاحترافية والهدوء والأخلاق ومن دون أن يتفوه بأي كلمة خارجة أو يقوم بأي تصرف افتزازي.
لا يحق لأي جهة مهما علا شأنها أن تمنع مواطن لبناني حر من العودة الى وطنه، أو إطلاق صفات عليه كالسفاح فقط لأنه حاور أحد قادة العدو.. لم يخطئ ولن يخطئ لأنه يعلم جيدا ماذا يفعل، ولأنه رغم وفاءه للقناة التي يعمل بها، لكنه يبقى حرا في قوله وفكره وتصرفاته وحين يصبح على الهواء يعرف كيف يتحكم بمفاتيح اللعبة، من أين يبدأ وكيف ينتهي..
ما لفتني في الموضوع أن الجهة نفسها التي سيست الموضوع وفرضت عقوباتها على طاهر وغيره من الزملاء، هي بنفسها قرعت طبول الوطنية وانهالت على بركة بكثير من التعليقات كلما كان يحشر ضيفا عدوا أو يكشف كذبه.. لماذا الآن، وقناة العربية منذ سنوات وهي تستضيف كما غيرها من القنوات شخصيات سياسية وإعلامية ومحللين يهود، لماذا اليوم أصبح من يستضيفهم “سفاحا” ويمنع من العودة الى وطنه..
يمكنك أن تعترض لكن لا يحق لك أن تفرض حكمك وسيطرتك على الآخرين وتعتبر أن وجهة نظرك هي الصح، اذا كان طاهر بركة اخطأ في استضافة شخصيات يهودية بارزة والاستماع الى وجهة نظرهم دون تبنيها، فأنتم يا من تدعون الوطنية والعروبة والانتماء اخطأتم حين لبستم الأقنعة ومارستم سياساتكم الدنيئة وأوصلتمونا الى ما نحن عليه..
لا أكتب كي اعرب عن تضامني مع طاهر بركة فهذه من البديهيات التي لا تحتاج الى تفكير، لكني أكتب لأقول اننا سئمنا ومللنا المتاجرة بنا أجسادا وأرواحا وأفكارا، سطع نور الشمس وعرّ كل من وقف تحته، لا يمكنكم تصنيفنا كما تريدون أو بحسب ما يتناسب مع مصالحكم، اذا كان محكوم علينا نحن من فرضت الظروف علينا البقاء وقودا لمدافئكم داخل حدود هذه المزرعة التي تسمى وطنا، فطاهر سافر وغرد بعيدا، حمل ثقافته وكفاءته وطار الى حيث وجد منفذا لطموحه ومكانا لحلمه، وبالتالي لا يجوز تصدير ثقافتكم المدمرة عبر البحار لتنالوا من عزيمة شاب لم تتسع حدود وطنه الضيقة لطموحاته فاختار الغربة..
“لبنان بلد الحرية والإعلام”، مقولة تظهر أننا إما كنا نعيش كذبة كبيرة وإما نحن أمام خسارة مدمرة..
حمى الله لبنان وأبناءه وطاقاته الرائعة وحمى الله طاهر بركة وجميع الأحرار، ولا بد أن يأتي يوم يظهر فيه كل شخص على حقيقته وحجمه الطبيعي..