سلايداتمقالات

«المليار يورو» الأوروبية نقطة في بحر ما يحتاجه لبنان لمعالجة أزمة النازحين

غادر رئيس جمهورية قبرص نيكوس خريستودوليدس، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فونديرلاين لبنان بعد محادثات أجرياها مع رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، وإعلان فونديرلاين عن حزمة مالية بقيمة مليار يورو للبنان ستكون متاحة اعتباراً من السنة الجارية وحتى عام 2027، تاركين ورائهما عاصفة سياسية هوجاء كادت أن تلامس المحرّمات من خلال ما أطلق من اتهامات بحق الحكومة وصلت الى حد اتهام رئيسها ببيع الوطن، وقد أعرب الرئيس نجيب ميقاتي عن غضبه لما سمعه من اتهامات واتصل بالرئيس بري شاكياً أمامه ما صدر من مواقف لا أساس لها من الصحة، طالباً دعوة المجلس للانعقاد في أقرب فرصة والبحث في بند واحد هو النزوح السوري ليتسنّى توضيح الأمور ووضع النقاط على الحروف وإزالة أي التباس حول مقاربة الحكومة لهذا الملف، وقد سارع الرئيس بري الذي شعر أن هذا الموضوع سيزيد الساحة السياسية انشطاراً الى تحديد الأربعاء في الخامس عشر من الشهر الحالي موعداً لهذه الجلسة لوضع الأمور في نصابها، ولكي توضح الحكومة حقيقة ما حصل، وليكون النواب على بيّنة من الهدف الحقيقي من وراء حزمة المليار يورو.
ومهما دافع رئيس الحكومة بالوقائع والأرقام في ما خص الهبة، فان المعارضة لن تتركه في حال سبيله، وستشكّل الجلسة النيابية فرصة لهؤلاء للانقضاض على الحكومة من باب ملف تعتبره المعارضة دسماً وتستطيع من خلاله التصويب على عمل الحكومة حيث سيحاول البعض تحويل الجلسة الى جلسة محاسبة، ومن الطبيعي فان رئيس المجلس سيضبط إيقاعها كالمعتاد ولن يسمح بخروج النقاش تحت قبة البرلمان عن المسار الذي عقدت لأجله الجلسة.

وإذا كانت المسؤولة الأوروبية قالت في سياق حديثها أن حزمة «المليار يورو» تهدف إلى دعم الخدمات الأساسية، إضافة إلى تقديم الدعم للجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى على صورة معدات وتدريب لإدارة الحدود ومكافحة التهريب، فإن ما استوجب التوقف في كلامها والذي أثار لغطاً هو إشارتها الى ان أوروبا تعوّل على تعاون لبنان الجيد لمنع الهجرة غير النظامية ومكافحة تهريب المهاجرين، وهي ربما هنا تكون تقصّدت إبقاء الأمر مبهما بين ان هذا الدعم هو للقوى الأمنية والجيش أم هو لمنع الهجرة عن طريق لبنان الى أوروبا، وهو ما شرّع الأبواب السياسية أمام السجالات والاتهامات، حيث كان يفترض الإشارة الى ان المليار يورو هي هبة غير مشروطة للبنان وبذلك يقطع الشك باليقين وتنتهي الحكاية عند هذا الحد، ومن غير المستبعد عقد جلسة للحكومة أو لقاء تشاورياً لإطلاع الوزراء على بنود الهبة.
وتقول مصادر نيابية في هذا السياق أن معالجة أزمة نزوح السوريين تتطلب تفاهما ثلاثيا: لبنانيا – سوريا وأوروبيا، وما عدا ذلك لن يصل الى نتيجة، ولا بد من التواصل مع الحكومة السورية للبحث بكل ما يخدم عودة النازحين والمصلحة المشتركة للبلدين، علما ان دمشق أعلنت مرات عدة ان أبوابها مفتوحة لمثل هكذا أمر.
وفي رأي المصادر ان ما يعانيه لبنان من تدهور اقتصادي وارتفاع في منسوب الجريمة بات يفرض أن يكون هناك مقاربة موحدة لمعالجة أزمة النازحين التي لم يعد لبنان قادراً على استيعابها، ولا سيما أن هذا الملف بدأ يأخذ أبعاداً خطيرة على كافة المستويات.
وإذا كان البعض من النواب سيطالب الحكومة في الجلسة عدم قبول هذه الهبة فان ذلك سيكون له في حال خضعت الحكومة محاذير كثيرة، حيث ان المجتمع الدولي ربما يأخذ من ذلك سبباً للإحجام عن تقديم أي دعم في المستقبل، ومن هنا فان رئيس الحكومة سيضع الجميع أمام مسؤولياته بعد أن يفنّد في كلمة له بنود الاتفاق لطمأنة المتوجسين خيفة منها من عدم وجود أي بنود سرية أو أي قطبة مخفية، ولا سيما أن بعض النواب تحدث عن توجه أوروبي لتغيير هوية لبنان من خلال الوطن البديل للنازحين واللاجئين الفلسطينيين.
مع الإشارة هنا ان هبة المليار يورو هي نقطة في بحر ما يحتاجه لبنان، الذي خسر منذ العام 2011 بفعل هذا النزوح حوالي 50 مليار دولار وما زال الحبل على الجرار، وهذا يعني ان معالجة هذا الملف يحتاج الى قرار سياسي وإرادة دولية بعودة النازحين الى بلدهم، لا الى هبة من هنا وقرض من هناك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى