سلايداتمقالات

لبنان بين انتخابَيْن

كتبت سناء الجاك في صحيفة نداء الوطن :

لطالما ربط المحللون، أو غالبيتهم، عداد استحقاقات المنطقة، ومنها لبنان، بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في تشرين الثاني المقبل، وذلك باعتبار أنّ رأس المحور الممانع لن يبيع أوراقه التفاوضية إلا للإدارة الجديدة، سواء تلك التي تتعلق بالمفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، أو بمصير حرب غزة، أو بتطورات الوضع السوري، أو بمصير ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية النائم حتى إشعار آخر.

ومع «الحادث الغامض» لطائرة رئيس رأس المحور، قطعاً ستتجمد الحسابات المعتمدة حالياً، بانتظار انقشاع المعطيات المترتبة مع وصول رئيس جديد وحكومة جديدة. وبالطبع، سيترقب المجتمع الدولي المشهد السياسي الإيراني الجديد، مع معرفة أركان هذا المجتمع بأنّ نظام دولة ولاية الفقيه أقوى من إمكانية تعرضه للاهتزاز بسبب «الحادث الغامض»، ومعظمهم سارع إلى القيام بالواجب وإرسال برقيات التعزية.

وفي حين أشارت الصحافة الأجنبية إلى عدم توقع تغيير يذكر في معادلات محور الممانعة، ألا أنّ انعكاس هذا المشهد على لبنان مختلف، لأن الاهتزاز وغياب الاستقرار ومدى التبعية، كلها عوامل لا بد أن تتفاعل، إذا ما سلمنا بأن البلد مرهون لرأس المحور الذي لا يحرجه إعلان مصادرته قرارنا الوطني، وفي أكثر من مقام أو مقال، وخصوصاً مع وزير خارجية جديد يحل محل الراحل حسين أمير عبد اللهيان الذي تولى الملفات الخارجية للجمهورية الإسلامية ببراعة، وكان المندوب السامي إلى بلدنا المنكوب، وترك بصمته وتأثيره الواضح على تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية التي تتحكم بها إيران عبر «حزب الله».

ولا يعني ذلك أنّ تغييراً جذرياً ما سيطرأ على الساحة، أو أن المعادلات قد تتأثر لجهة التحرر من التبعية، وفقا لاسم الشخصية التي ستخلف الرئيس الراحل. بالعكس تماماً، سوف تشكل هذه الحادثة سبباً إضافياً لمزيد من التضييق وتشديد للقبضة الإيرانية على لبنان، كرد فعل على أي احتمالات نتيجة أحداث مشابهة، يمكن أن تفكك مفاصل هذه القبضة، لأنّ سيطرة «حزب الله» بالكامل على مفاصل البلد ومرافقه الحيوية وغير الحيوية، واستئثاره بقرار الحرب والسلم، كما هي الحال، مرتبطان ارتباطاً مباشراً بالوجود الإيراني الراهن، إن بصيغته أو بتوازناته.

بالتالي، على لبنان أن يتسمَّر في شلله بانتظار ما ستقرره هيئة تشخيص النظام، لجهة الشخصية التي ستتولى الرئاسة، والفريق الذي سيعاونها في إدارة ملفاتها الداخلية والخارجية ولبنان من ضمنها، من دون إغفال حقيقة أنّ رأس الهرم، المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي تعهد باتخاذ إجراءات لضمان ألّا تؤدي الحادثة المفجعة، إلى الإضرار بالنظام والأمن والاستقرار السياسي في البلاد، يعرف جيداً أهمية ضمان عدم الإضرار بمكاسب الجمهورية الإسلامية في خارج البلاد أيضاً، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بلبنان و»حزب الله» بصفته يؤدي دوراً رئيسياً في تنفيذ مشاريع إيران في المنطقة.

لذا فإن الرئيس الذي سيتابع وظيفته كناطق رسمي للمرشد الأعلى وسياساته الداخلية والخارجية، سيكمل ما هو موجود لجهة التشدد في القمع الداخلي كما شهد العالم بعد الاحتجاجات التي تلت مقتل مهسا أميني، ولجهة التمسك بالنفوذ الإقليمي والسيطرة على الدول الواقعة تحت سيطرة إيران، في حين يبقى ملتبساً مصير الانفتاح على الخليج العربي وتحديداً المملكة العربية السعودية، وأيضاً مصير ملف المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن النووي الإيراني وربما أمور أخرى.

وهكذا، على لبنان أن يواكب مرحلة ترتيب رأس المحور أوراقه، التي ستفرزها انتخابات رئاسية بعد خمسين يوماً، ومن ثم انتظار انتخاب رئيس أميركي أو عودة بايدن في ولاية جديدة ليصار إلى تقرير مصيره. وبين الانتخابين، سيبقى ترف الاستحقاق الرئاسي في علم الغيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى