كتبن صلاح سلام في اللواء:
إحتلت الجبهة الشمالية صدارة الإهتمامات الأمنية والإعلامية في تل أبيب، بعد نشر فيديو حيفا، وما تضمنه من مواقع عسكرية حساسة، ومنشآت مدنية حيوية، وتفاصيل المناطق السكنية، بما بات يمكن إعتباره إختراقاً إستراتيجياً كبيراً، فضلاً عما ينطوي من رسالة ردع، وتهديد مباشر لمجموعة من الأهداف «الدسمة»، أصبحت بمتناول صواريخ ومسيَّرات حزب الله.
بخلاف ما كان الوضع عليه في المواجهات المحتدمة بين الحزب والجيش الاسرائيلي منذ ٨ تشرين الأول، بدأت الجبهة الإسرائيلية مع الجنوب اللبناني تشكل مصدر قلق عسكري وسياسي، على إيقاع التصعيد النوعي الذي ساد الجبهة في الأيام الأخيرة، وتجاوزت العمليات اليومية المناطق الحدودية إلى أهداف في العمق على جانبي الجبهة، مما أثار المخاوف بإندلاع حرب شاملة، وجاء تحرك البيت الأبيض السريع بإيفاد الوسيط آموس هوكشتاين إلى تل أبيب وبيروت، لتطويق الإحتمالات المتفجرة، والعمل على تبريد الجبهة، طالما من المتعذر التوصل إلى إتفاق لوقف النار، قبل وقف الحرب على غزة.
الواقع أن هوكشتاين لم يحمل تهديدات ولا إنذارات، لأن التصريحات الإسرائيلية الشعبوية للوزراء اليمينيين المتطرفين بالويل والثبور وعظائم الأمور ضد لبنان، كانت قد سبقت وصول الموفد الأميركي إلى بيروت.
ولكن مبعوث الرئيس الأميركي، اليهودي الأصل، حمل معه «نصائح» للطرفين اللبناني والإسرائيلي، من منطلقين مختلفين، وبما يتناسب مع معطيات كل طرف على حدة. المعلومات المتداولة في الإعلام الإسرائيلي، تُفيد أن هوكشتاين أبلغ نتانياهو بأن إندلاع حرب شاملة ضد لبنان للتخلص من وجود حزب الله على الحدود الشمالية، من شأنه أن يزيد حالة عدم اليقين السائدة في المجتمع الإسرائيلي حالياً،بسبب قد ما تتعرض له المناطق الداخلية من هجمات صاروخية، ويضع الدولة العبرية والمنطقة بأسرها على شفير حرب إقليمية، لأن طهران أبلغت واشنطن بأنها ستتدخل في الحرب الإسرائيلية التي تستهدف حزب الله. الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد خطير في الجبهات الأخرى، من البحر الأحمر وخليج عدن إلى الميلشيات المتحالفة مع إيران في العراق وسوريا. وأن حل المشكلة المعقدة مع لبنان تبدأ بوقف الحرب في غزة، حيث يعود الهدوء إلى المناطق الشمالية في إسرائيل مما يسمح بعودة المهجرين إلى بيوتهم في البلدات المجاورة للحدود اللبنانية.
أما كلامه مع المسؤولين اللبنانيين فتمحور حول «نصائح» بضرورة تجنب الإنزلاق إلى حرب شاملة، وتداعياتها التدميرية على لبنان، الواقع أصلاً في هوة الدول الفاشلة، مما سيؤدي إلى تفاقم المشاكل الإجتماعية، والأزمات الإقتصادية. وأن الحل يكون بالعودة إلى «قواعد الإشتباك» السابقة، ريثما تهدأ الحرب في غزة، ويتم إستئناف المفاوضات لترسيم الحدود البرية.
البعض تعامل مع «نصائح» هوكشتاين وكأنها تهديدات..، فيما أعتبرها آخرون بمثابة تسليم بالأمر الواقع الذي فرضه حزب اللّه على الجبهة الجنوبية، رغم الخسائر اليومية بالأرواح والممتلكات.