مقالات

الوحدة الوطنية الفلسطينية ليست ترفا.. وقفات لا بد منها

بقلم: مصطفى شهاب

حاولت مع تحرك الوفود الفلسطينية إلى عقد لقاء وطني شامل وموسع ستستضيفه العاصمة الصينية بكين لمختلف الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة فتح اليوم وغدا، وتأكيد الصين استعدادها لتيسير المصالحة بين فتح وحماس، أقول حاولت أن أتتبع سير هذا الملف الشائك عبر استكشاف ما تمخضت عنه أكثر من خمسة عشر لقاءً توزعت بين العديد من عواصم العالم من القاهرة إلى مكة المكرمة والدوحة والقاهرة من جديد لعدة مرات وبيروت والجزائر وموسكو وبكين، بل وخرجت إحدى اتفاقات المصالحة الوطنية من داخل السجون الإسرائيلية (وثيقة الأسرى عام 2006م)، كما شملت جهود المصالحة محاولة للسفير السويسري لدى السلطة الوطنية بول غارنييه في عام 2016 والذي قام بزيارة رئيس حركة حماس في غزة في ذلك الحين السيد إسماهيل هنية مرتين.
الحديث عن ما تمخضت عنه كل تلك الاتفاقات بشكل مفصل يقتضي كتابة عشرات الصفحات، لكن من المؤكد وللإنصاف أن الطرفين فتح وحماس أبديا دائما رغبة في مصالحة لم يتمكنا يوماً من تخطي حواجزها التي لا بد ونحن مقبلون على مسعى جديد لتحقيقها في بلد صديق تطوع لمساعدتنا هو الصين من أن نضع النقاط على الحروف.
تتركز عقدة المصالحة في بعدين أساسيين؛ يتمثل الأول في الضغوط التي تتعرض لها السلطة الفلسطينية من أميركا وأوروبا وإسرائيل لرفض أي مصالحة مع حماس لرفضها الاعتراف بإسرائيل برغم كل لإشارات التي كانت تعلنها عن استعدادها لقبول مبادرة السلام العربية، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م في إطار هدنة طويلة تلتزم بها مع دولة الكيان. هذه الضغوط التي مورست على السلطة التي لا تستغني عن أموال المقاصة مع إسرائيل وأموال المساعدات التي تتلقاها من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وضعت السلطة في كثير من الأحيان في موقف المعرقل لاتفاقات المصالحة مع حماس التي تجد نفسها بدورها في مأزق تلقي الضغوط من الدول العربية للقبول بمبدأ حل الدولتين والاعتراف بما تضمنه ميثاق منظمة التحرير من تعديلات عام 1996م التي شملت التخلي عن الكفاح المسلح، والاعتراف بدولة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية. وهنا لا بد لحماس من أن تعلن موقفا واضحا ومحددا لا لبس فيه؛ إما الإصرار على المقاومة أو القبول بحل الدولتين الذي لن يتحقق، ولا أرى أنه سيتحقق يوما إذا تم التخلي عن الكفاح المسلح في ظل الظروف العربية والدولية المحيطة بالشعب الفلسطيني. وهنا يمكن لحماس أن تعتمد مقاربة تؤكد على مواصلة الكفاح حتى تحقيق حلم الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس. وبذلك تكون قد وضعت مُطالبيها بإلقاء السلاح أمام مسؤولياتهم في تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المنشودة.
أما البعد الآخر والذي لا بد أن نتكلم عنه بمنتهى الشفافية وأعني به الصراع الخفي بين حركتي فتح وحماس على من يتصدر المشهد الفلسطيني. حماس الفارس الجديد الذي يحظى بتأييد شعبي جارف لرفعه شعار المقاومة، أم فتح بتاريخها الطويل الذي وضعها في صدارة المشهد الفلسطيني منذ توليها زمام الأمور في منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969م.
هذا المعضلة بين فصيلين -هما الأقرب للتوافق فيما بينهما في مواجهة باقي الفصائل لو كانت فتح لا تزال في الخارج تقاتل من أجل التحرير-، هي لب المشكلة، والعقبة الكأداء في تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية.
في العودة إلى البدايات شهد عامي 1968، و1969 الكثير من الجدل الذي صاحب دخول فتح وبعض الفصائل الفلسطينية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واستدعى الأمر بعد استقالة رئيس اللجنة الأول الأستاذ أحمد الشقيري رحمه الله تعيين رئيس انتقالي دامت رئاسته للجنة 6 أشهر هو الأستاذ يحيى حمودة رحمه الله.
كانت فتح تصر على المحصاصة في عضوية اللجنة التنفيذية على قاعدة عددية بحيث يكون لها العدد الأكبر من الأعضاء لكونها أكبر الفصائل، في حين كانت الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش تصر على أن يتم التقاسم في إطار جبهوي بحيث يكون لكل فصيل من فصائل المقاومة عدد متساو من الممثلين، ونظرا للظروف التي أحاطت بالانشقاقات التي شهدتها الجبهة في تلك الفترة، والتي لم تكن أيدي فتح بريئة منها هي وبعض الأنظمة العربية، ونظرا لرغبة الفصائل الصغيرة في الاستفادة من الأموال التي تقدمها لها (فتح) التي كانت تتلقى أموال المساعدات العربية، فقد رضخت هذه الفصائل لرغبتها، وظلت الجبهة الشعبية خارج المنظمة لفترة، وباتت فتح تسيطر على منظمة التحرير منذ ذلك الحين وإلى اليوم؛ خاصة بعد أن نجحت في تحويل بعض قيادييها إلى مستقلين يشكلون معها الأغلبية التي تجعل من اللجنة التنفيذية صورة باهتة عن اللجنة المركزية لحركة فتح. وبات من الإنصاف بحق شعبنا وللتاريخ أن نقول أن من أعلن الدولة الفلسطينية في الجزائر عام 1988 تمهيدا للاعتراف بإسرائيل ليس هو المجلس الوطني الفلسطيني بل حركة فتح المهيمنة عليه، وكذلك من عدل ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية عام 1996 وحذف منه كل ما كان يتضمنه عن المقاومة والتحرير هي فتح وليس المجلس الوطني أو اللجنة التنفيذية، كما أن من فاوض في أوسلو وأوصلنا إلى هذا النفق هي فتح وليس منظمة التحرير الفلسطينية.
لا أقول هذا افتئاتا على فتح التي كانت قائدة العمل الوطني، ولكن للحقيقة التي لا مراء فيها بأن منظمة التحرير الفلسطينية وما يصدر عنها من قرارات لا تمثل في واقع الحال رأي من فيها من أعضاء، بل رأي من يملك زمام الأمور وأعني بها حركة فتح.
ولا شك أن هذا أمر مجانب للمنطق والصواب، فقد غاب الشعب الفلسطيني أو غُيِّبَت أغلبيته عن كل ما رسم لمسيرته النضالية في تحرير وطنه، وهو أمر يجب أن يتوقف الآن قبل الغد؛ خاصة وأن أي مبرر لدى السلطة الوطنية يمكنها أن تراهن عليه في تحقيق حلمنا في الدولة والحرية ذهبت أدراج رياح أوسلو بعد سنواته التي تجاوزت الثلاثة عقود، وبعد إعلان الكنيست الإسرائيلي الأخير عن رفض إقامة الدولة الفلسطينية غربي النهر، ومن قبل إقرار يهودية الدولة.
أقول وبالله التوفيق: لقد آن الأوان إذا كنا نعمل من أجل فلسطين، وإذا كانت غايتنا فلسطين محررة، أن نعمل على إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي يجب أن تبقى خارج الأراضي الفلسطينية حتى يتم تحريرها، انطلاقا من تغيير تركيبة المجلس الوطني والعضوية فيه التي كان يمنحها الراحل عرفات وكذلك يفعل خليفته أبو مازن لمن يتساوق مع توجهات فتح وفكرها وسياساتها.
إن تشكيلة تقوم على أساس متكافئ للجنة التنفيذية بحيث تضم عضوين من كل فصيل من الفصائل الفلسطينية الرئيسة: فتح وحماس والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي والجبهة الديمقراطية، وعضوا لكل فصيل من باقي الفصائل، وعضوا يمثل كل مؤسسة من مؤسسات العمل الوطني كنقابة المحامين وكذلك المعلمين، واتحاد الحقوقيين، واتحاد الكتاب والصحفيين، وبما يلغي الحاجة إلى الأعضاء المستقلين سيكون تشكيلا عادلا للجنة، ويبعث من جديد منظمة تحرير حقيقية تنطق باسم شعبها، لا باسم فصيل يستحوذ عليها، ويفتح الباب على مصراعيه لمصالحة وطنية حقيقية باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى، ولم تعد ترفا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى