كتبت فرح منصور في صحيفة المدن:
ثلاثة أيام مضت على توقيف حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، داخل النيابة العامة التمييزية، وسوقه مخفور اليدين إلى السجن. وفترة احتجازه ستستمر حتى يوم الإثنين المقبل؛ تاريخ جلسة استجوابه الأولى أمام قاضي التحقيق الأول، بلال حلاوي، الذي سيقرر إن كان سيصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه، أم سيتركه رهن التحقيق بسند إقامة أو بكفالة مالية مرتفعة.
“زنزانة خاصة”
وُضع سلامة في زنزانة خاصة بالشخصيات، التي تُعرف باسم “سجن الضباط الأربعة” (الذين سجنوا بتهمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري). وهي عبارة عن غرفة مكيّفة، في الطابق الأرضي لمديرية قوى الأمن الداخلي، بداخلها هاتف أرضي، وتلفاز وحمام خاص، وهي الزنزانة نفسها التي وُضعت فيها رئيسة هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، هدى سلوم، والمقدم سوزان الحاج.
استدراج وتوقيف
وشكّل قرار القاضي الحجار بتوقيف سلامة صدمة لدى الأوساط القضائية والقانونية، التي لم تتوقع يومًا رؤية “كاتم أسرار” السلطة السياسة خلف القضبان. مصادر قضائية تؤكد لـ”المدن” أن سلامة استُدرج إلى قصر عدل بيروت بهدف توقيفه، فالمستندات التي حصل عليها الحجار من هيئة التحقيق الخاصة لمصرف لبنان، والأدلة التي توصل إليها، كانت كفيلة بإدانة سلامة ورميه في السجن.
وفي التفاصيل التي حصلت عليها “المدن”، فإن رئيس المباحث الجنائية المركزية، العميد نقولا سعد توجه إلى منزل سلامة في منطقة الصفرا لإبلاغه بموعد الجلسة. وكعادته حاول سلامة التهرّب والاختفاء كي لا يتم تبليغه فيتغيب عن الجلسة، لكن حيلته لم تنجح، لأن رئيس مكتب المباحث الجنائية المركزية كان مصرًا على إبلاغه بجلسة التحقيق، وأجبره على التوقيع على ورقة تبليغه (وصار ملزمًا على حضور الجلسة).
وتضيف المصادر، أن سلامة كان معتقدًا بأن الحجار سيستمع إليه بصفة “شاهد”، وسيطرح عليه القليل من الأسئلة وستنتهي الجلسة. لذلك حضر برفقة سائقه ومن دون أي محامٍ، خصوصًا بعدما تأكد بأن جلسته مع الحجار ستكون سريّة.
وحسب المعلومات، فإن سلامة تفاجأ بالمستندات والوثائق التي كانت بين أيدي الحجار، وهي مستندات تفصّل عملية إخراج 42 مليون دولار أميركي من المصرف المركزي، وتمريرها إلى حساب المحامي ميشال تويني (من أعوان سلامة)، ومن ثمّ تحويلها إلى حساب المحامي مروان عيسى الخوري (إبن شقيقة الحاكم السابق، والوكيل القانوني لرجا سلامة)، بعدها يحول الخوري الأموال إلى حساب سلامة المصرفي. وعليه، لم يتمكن سلامة من الدفاع عن نفسه أو من تبرير أسباب هذه العمليات المشبوهة.
تدخلات سياسية
والمؤكد أن المعلومات التي قد يقدمها سلامة للقضاء اللبناني بهدف الدفاع عن نفسه، ستكشف الكثير من التفاصيل التي لم تُعرف بعد. إذ تؤكد مصادر قضائية لـ”المدن” أن القاضي حلاوي سيستدعي جميع الأسماء التي سيذكرها سلامة خلال الاستجواب، أي تلك التي يشتبه بتورطها في هذا الملف. وتوقعت مصادر متابعة بأن يتم استدعاء كل من تويني والخوري إلى التحقيق لاستجوابهما.
في المقابل، علمت “المدن” بأن ضغوطًا سياسية تُفرض على القضاء اللبناني لترك سلامة وعدم إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه، خوفًا من أن تُفضح أسرار الدولة اللبنانية، ما أدى إلى نشوب حالة من القلق والرعب لدى مجموعة من القضاة، خوفًا من أن تتم إقالتهم من مراكزهم. لذلك، يحاول بعض القضاة إيجاد المخارج للتنصل من قضية سلامة.
الدولة اللبنانية تدعي على سلامة
وحسب معلومات “المدن” فإن هيئة القضايا في وزارة العدل التي تمثل الدولة اللبنانية سارعت لمتابعة هذه القضية، وادعت على سلامة بجرائم اختلاس المال العام والتزوير وتبييض الأموال. وابتداءً من يوم الإثنين، ستحضر رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر جميع جلسات الاستجواب.
إذن، مع اشتداد الضغوط السياسية على القضاء اللبناني لترك سلامة، قرار القاضي حلاوي سيكون نقطة التحول الأساسية في مسار سلامة القضائي الجديد.